كنت في صغري وصباي وشبابي الباكر (حالياً في مرحلة الشباب المتأخر بعد أن قررت هيئة الصحة العالمية تمديد سن الشباب إلى نحو الستين) أحب لحم الدجاج حباً غير عادي، لسبب بديهي وهو أنه لم يكن متوفراً، فعلى الرغم من أن أمي كانت تحرص على تربية الدجاج، إلا أنها لم تكن تذبح دجاجة إلا بعد أن تتوقف عن الإرسال، أي تبلغ سن اليأس، ويصبح لحمها غير قابل للهرس والمضغ، وبعد أن دخلت الحياة العملية كنت أحرص شهرياً على الذهاب إلى مطعم الأندلس المجاور للسينما الوطنية في الخرطوم بحري، لأتناول نصف فرخة وأنا أدعو الله ألا يغشى المطعم أحد أصدقائي ليشاركني نصف فرختي، ويسلب كل فرحتي، وكان حجم الدجاج في ذلك الوقت لا يسمح باشتراك شخصين في أكل فرخة كاملة دعك من نصف فرخة. ثم فتحها الله عليّ، وصرت آكل الدجاج كلما رغبت في ذلك دون خوف من مداهمة أو مشاركة صديق، ثم قرفت من الدجاج في أول زيارة لي إلى بريطانيا، حيث اكتشفت دجاج كنتاكي وفرحت به ورقصت طرباً لتناوله، ولجأت إليه تفادياً للحم الخنزير، وتجنبت حتى البيض بعد أن قيل لي إن خنازير الإنجليز تبيض، وشيئاً فشيئا أصبحت رائحتي زفرة، خاصة أنني لم أكن أستحم بل لم أستحم إلا بعد 12 يوماً من وصولي إلى لندن، لأن الحمامات في بيت الطلاب الذي كنت أقيم فيه كانت مثل الوطن العربي، “وكالة من دون بواب”، وحال الجميع مكشوف، بل وكان الطلاب الذين يستخدمون تلك الحمامات ينزلون من غرفهم “ربي كما خلقتني”، مما فرض علي وزملائي السودانيين المقيمين معي في بيت الطلاب ذاك حظر التجول، خشية وقوع أعيننا على قليلي الحياء أولئك. وبعدها بسنوات اكتشفت أن الدجاج يذبح بعد أسبوعين من خروجه من البيض لأنه يتغذى بالمضادات الحيوية والهرمونات والكورتيزن فيصبح خطراً على الإنسان، وصحيح أن الأطباء ينصحوننا بالإكثار من اللحم الأبيض، ويعنون بذلك السمك والدجاج (وليس الجري وراء النساء الأوروبيات والأمريكيات)، ولكنهم قطعاً لا ينصحوننا بتناول لحم أو خضار ملوث، وبعد الكلام الذي قرأته في صحف بريطانيا أخيراً أقول وداعاً للدجاج بل إنني على استعداد للتوقيع على معاهدة عدم اعتداء وصلح وتعايش سلمي مع أي ديك أو دجاجة. في ذروة الاستعداد لغزو العراق للإطاحة بحكم صدام حسين في عام 2003، استقدم الأسطول البريطاني في منطقة الخليج اثنين من أسود البحر المدربة للاستعانة بهما في رصد أية تحركات “كده أو كده” في مياه الخليج… “ماكو مشكلة.. نو بروبليم، تيكا؟”، ومنكم نستفيد، وبدلا من إهدار البلايين في شراء غواصات، نأتي بتلك الكائنات المائية (أسود البحر) لتحرس شواطئ بلداننا. ولكن قادة الأسطول البريطاني كشفوا النقاب مؤخرا، عن أنهم يستخدمون الدجاج لرصد التسربات الكيميائية والجرثومية خلال العمليات البرية، حيث يتم وضع عدد من الدجاج في مقدمة كل دبابة وسيارة مصفحة، فإذا مات الدجاج يكون العدو “عملها”، ويصبح من حق بريطانيا والولايات المتحدة ضرب هذه الجهة أو تلك بالسلاح النووي التكتيكي، ويقول الخبراء إنهم استنتجوا خلال حرب الخليج الثانية (الأولى كانت لتحرير الكويت، والثانية كانت لإسقاط حكم صدام حسين في العراق)، المهم أنهم استنتجوا بعد أن قام جماعة صدام حسين بإشعال النيران في حقول النفط الكويتية، أن الغازات المنبعثة من آبار النفط المحترقة تعوق وظائف أجهزة رصد الانبعاثات الجرثومية والكيماوية الضارة، وبالتجربة اكتشفوا أن الدجاج يصلح كقرون استشعار لكشف المواد السامة، بأن يكون هلاكه في موقع ما دليلا على تلوث ذلك الموقع. والخلاصة هي أن الدجاج صار يفتدي بني البشر، وبما أنه أصلا تتم تربيته للذبح، فما فيها شيء أن يموت في أراضي المعارك فداء للجنود، “شفت شلون البريطانيين في منتهى الحنيَّة والرقة؟) أقصد كان بإمكانهم استخدامنا كدواجن أو فئران تجارب فنحن “من يدهم هذي ليدهم تلك”، ولكنهم قرروا الاستعانة بالدجاج، ربما وفّرونا لـ “لساعة عوزة”، أي لأمر أكبر؟. ما لفت انتباهي هو أنهم يستخدمون في كل المناطق المشتعلة، بما فيها تلك التي تدور فيها معارك ضد داعش، دجاجاً أوروبياً، أي أن القوات الغربية في سوريا والعراق حالياً، تأتي بالدجاج من أوروبا ولا تشتريه من الأسواق المحلية، هل لأن دجاجنا غير موثوق به لكونه إرهابي النزعات بالميلاد، أم لأنه ملوث أصلاً ولا “يفرق” معه سلاح كيماوي أو بيولوجي؟.
صحيفة الشرق