الصور التي جمعت السلطة الإنقلابية بمن يطلقون على أنفسهم (لجان مقاومة) عشية موكب 31 يوليو الذي دعت له لجان المقاومة نفسها بإتجاه القصر مطالبة فيه بإنهاء الإنقلاب وإستعادة المدنية ومحاكمة قتلة المتظاهرين، تشير بوضوح لمدى التوتر الذي يعيشه الانقلابيون استعجالهم لتسجيل هدف في مرمى الثورة بعد أن فشلت كافة محاولاتهم لإجهاضها. صور أعقبتها بيانات نارية للجان المقاومة (الحقيقية) كاشفة عن حقيقة الكوادر المزيفة التي يجتهد في صناعتها مؤيدو الإنقلاب، ما يثبت بالدليل القاطع أنهم لم ولن ييأسوا، وسيستفيدون من أي ثانية تمر دون إلتئام (المتشاكسون) في طاولة واحدة لإنهاء فوضى الإنقلاب وإسقاطه نهائيا رافعين شعار (السودان أولا). ما حدث مؤكد لم يأت من فراغ وهي خطوة ستتبعها خطوات لن تكون في صالح الثورة والثوار بأي حال طالما أن حالة التجاذب بين الفرقاء السياسيين هي التي تسيطر على المشهد الآن. ولنا أن نتفكر في زيارة بيريتس فولكر إلى رئيس الحركة الشعبية شمال مالك عقار في مقر إقامته بالنيل الأزرق وقبولهم الخجول لمبادرته الرامية إلى لقاءات تشمل المكون العسكري والحرية والتغيير والموقعين على إتفاق سلام جوبا، علما بأن مبادرته لم تحدد أي مكون آخر وأعنى لجان المقاومة والمجتمع المدني، كما وانه لم يشر إلى الحرية والتغيير التي يعنيها في مبادرته، هل هي الميثاق الوطني أم المجلس المركزي. هذه وغيرها من شواهد كثيرة تشير بوضوح إلى أن المجتمع الدولي في ظل (الحصار الروسي) المفروض على الغرب، لن ينتظر طويلا حالة الجمود والتمترس في المواقف بين مكونات الثورة في ظل التناحر المستمر وعدم التوصل لإتفاق ينهي الوضع المأزوم الذي يعيشه السودان. الغرب يعلم أن السودان (محتل) بواسطة عصابات عابرة للحدود والأجواء، تغزو يوميا مناجم الذهب بشمال وشرق وغرب السودان ولم تستثني الثروات الحيوانية من إبل وماشية يتم تهريبها برا وبحرا وجوا، بخلاف ثرواته الزراعية من صمغ عربي و قمح وقطن وبذرته … الخ حيث يتم التهريب المقنن تحت إشراف وحماية السلطة الإنقلابية.هذه الثروات وحدها كفيلة بإخراج السودان من (المستنقع) الذي أوقعه فيه ضعاف النفوس من أبنائه غير البررة. شخصيا أنتظر وبلهفة إعلان قوى الثورة الحية اتفاقها على رئيس وزراء ينتشل البلاد من حافة الهاوية، ليعلن حكومته مسددا ضربة قاضية إلى المكون العسكري الذي يسعى إلى استمرار فرض الوصاية على الشعب حتى ولو أدى ذلك إلى (فناء كل الشعب). التصريح الذي أدلى به عضو مجلس السيادة السابق، عضو الحرية والتغيير محمد الفكي سليمان بأن الحرية والتغيير ستعلن رئيس وزراء خلال الأسبوعين القادمين، في اعتقادي الشخصي حرَك الساكن وأشعل جذوة الأمل مرة أخرى في الشارع الثوري رغم ردود الأفعال الرافضة لتصريحه من قبل بعض مكونات الحرية والتغيير، وكنت أتوقع أن يُنظر إليه على أنه (ترمومتر ثوري) لقياس مدى حالة التفاؤل التي سادت الشارع بعد طول إحباط، ولكنها السياسة وتقلباتها. الوضع الحالي أسوأ مما يتخيل الجميع، وكلما إستمر الحال على ما هو عليه، مؤكد النتيجة لن تكون في صالح المؤمنين بالثورة الرافضين للإنقلاب وبقاء العسكر في السلطة. نحتاج إلى قرارات ثورية قوية تنقل قوى الثورة الحية إلى مربع المواجهة (السياسية) المباشرة مع العسكر (بإتفاق ثوري مدني مدني) سريع وعاجل يضع الإنقلابيين في خانة رد الفعل بعد أن ظلوا هم الفعل والفاعل طيلة الأشهر الماضية. ويضعون معه المجتمع الدولي في وضعية العودة لما قبل 25 أكتوبر فيما يخص رفع العقوبات واستعادة كافة الحلول الاقتصادية التي من شأنها إنهاء كافة المشاكل الإقتصادية التي توشك أن تصل بالسودان إلى (مجاعة محتملة). يجب تجاوز المتسببين في حالة الفوضى وعدم الإتفاق بين قوى الثورة، ففي تجاوزهم إنتشال للسودان من حافة الهاوية.
صحيفة الجريدة