في الانباء ان النيابة العامة شرعت في اتخاذ إجراءات تعميم نشرة حمراء عبر الشرطة الدولية (الإنتربول) للقبض على مدير جهاز الأمن والمخابرات الأسبق صلاح عبد الله الشهير بـ (قوش) إثر بلاغات تتصل بقضية شركة تاركو للطيران متهم فيها بتخريب الاقتصاد واستغلال النفوذ..هذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها سلطات النيابة استرداد قوش عبر الانتربول، فقد سبق للنيابة ان شرعت في اتخاذ إجراءات استرداد قوش عبر الإنتربول الدولي في بلاغات جنائية تتعلق بالإرهاب والفساد المالي والثراء الحرام والمشبوه، وتعذيب المعتقلين إبان اندلاع الاحتجاجات في البلاد عام 2018، وعلى اثر ذلك قام المكتب المركزي الوطني للإنتربول بالخرطوم وبرعاية وزارة الداخلية بتفعيل النشرة الحمراء الخاصة بتعقب مدير المخابرات الأسبق و الهارب من العدالة صلاح قوش، و خاطب المكتب مدير إدارة الشرطة الجنائية العربية و الدولية بالقاهرة من أجل إلقاء القبض على قوش بعد تحديد موقعه بدقة تمهيدا لتسليمه إلى العدالة في السودان ليواجه عدة بلاغات جنائية في مواجهته، كما أرسل الانتربول بالخرطوم خطابين لأبوظبي وأنقرة لالقاء القبض على العباس شقيق الرئيس المخلوع، ووزير المالية الأسبق بدر الدين محمود، المتهمين في قضايا فساد وتزوير، بل ان النائب العام السابق مبارك محمود عثمان، كان قد قال انه تلقى إشارات إيجابية من نظيره المصري بالتعاون في تسليم مدير الأمن والمخابرات الاسبق صلاح قوش وآخرين من عناصر النظام المعزول، هربوا إلى مصر عقب الإطاحة بنظامهم، ويشار الى ان السلطات المصرية كانت قد رفضت من قبل طلبا للنائب العام الاسبق تاج السر الحبر بتسليم قوش، هذه باختصار المساعي المبذولة حتى الآن لاستعادة الهاربين من رموز النظام البائد لمحاكمتهم أمام القضاء الوطني، هذا غير المساعي المحلية التي كانت ابتدرتها نيابة الثراء الحرام والمشبوه باصدارها اعلانا محليا للقبض على قوش.. الشاهد ان كلا المحاولتين السابقتين المحلية والدولية للقبض على قوش لم تسفر عن شئ، ومازال قوش يمارس حياته الطبيعية بالعاصمة المصرية ويظهر بين الحين والاخر على مواقع التواصل الاجتماعي، مرة وهو يزور بعثة المريخ، وأخيراً في لقطة متزامنة مع نشرة الانتربول الحمراء التي عممت بشأنه، التي ظهر فيها وهو يشاهد مراسم عقد ابنه من مقر إقامته بالقاهرة على كريمة الفريق أول كمال عبدالمعروف عبر تطبيق الفيديو، ويبدو لي ان نشرات الانتربول لن تفيد بشئ، وسيكون مصير النشرة الحالية ذاته مصير السابقات، فالقبض على الهاربين بواسطة الانتربول، ذو صلة وثيقة بمهام واختصاصات الانتربول من جهة، وعدم تعاون البلدان التي يقيم فيها هؤلاء الهاربين من جهة أخرى، فالإنتربول ليس جهة إصدار أوامر قبض ولا هو جهاز قضائي، وإنما جهة للإبلاغ والتعميم، أي يقوم بتعميم ونشر أوامر القبض التي تأتيه من الدول الأعضاء، وليس له شرطة ولا مجندين ولا قوات خاصة، بل مجرد جهة تنسيقية بين الدول الأعضاء تعمم أوامر القبض، وتبقي مسؤولية القبض والتسليم شأنا وطنيا بحتا، يخص الدولة التي يقيم فيها المطلوب، كما أن الدول جميعا غير ملزمة بتسليم أي شخص أجنبي موجود على أراضيها وإنما القرار يكون لقضائها الوطني بعد دراسة الملف الذي يجب أن يعده البلد الطالب، ويتضمن التهم والأدلة ليقرر في ضوئها التسليم من عدمه، ولا يمكن لأي بلد أن يسلم مطلوبا ما لم تكن هناك اتفاقية تسليم مجرمين نافذة ومعتبرة موقعة بين البلد الطالب والبلد المطلوب منه. كما ان الانتربول يختص فقط بالقضايا الجنائية والمجرمين الجنائيين، ولا صلة له البتة بأي قضايا أخرى، كما أن دساتير معظم دول العالم تنص على عدم جواز تسليم اللاجئ السياسي إلى بلده مهما كانت التهم الموجهة اليه، وهذا ما يشكل تعقيد اضافي اذا ما حصل هؤلاء الهاربون على حق اللجوء السياسي..
صحيفة الجريدة