زهير السراج يكتب.. جبّانة وهايصة

من يصدق أن مَن يبدد الآثار السودانية ويضيع على البلاد ثروة لا تقدر بثمن، هي الهيئة العامة للآثار والمتاحف، وهو ما توصل إليه المراجع القومي ونيابة مكافحة الفساد وجرائم الاموال العامة تحت إشراف وكيل النيابة مولانا (ممدوح عبدالله) الذي اجرى تحقيقا مطولا استغرق ثلاثة اعوام، عن سرقة وتبديد الاثار السودانية في الفترة بين عام 2006 وحتى 2019 ، خلال العهد البائد الذي يترك شيئا لم يعبث به ويدمره!
القضية طويلة ومعقدة ومؤلمة جدا، توجع القلب وتكسر النفس، والذي يوجع أكثر أن المتهمين هم الذين اوكلت إليهم مهمة حماية وصيانة الآثار، على أرفع المستويات !
أكثر من 290 رسالة أثار تضم آلاف العينات من المقتنيات الأثرية أرسلت الى الخارج بغرض الدراسة والبحث، ولم تعد غالبيتها حتى الآن .. تخيلوا، ولا يعرف أحد أين ذهبت !
وبعض المقتنيات الاثرية سافرت الى العرض خارج السودان منذ سنوات طويلة، ولم تعد أيضا رغم انتهاء المدة، ولا أحد يعرف كيف يتم التجديد لها، واين توجد المستندات الخاصة بها، واين تذهب إيرادتها!
فضلا عن التنقيب العشوائي والتهريب الجوي والبري الذي يحدث احيانا تحت بصر ونظر وموافقة كبار المسؤولين في الدولة .. بينما تغط وزارة الثقافة التي تقع الآثار تحت مسؤوليتها المباشرة في نوم عميق، وكذلك الأجهزة الأخرى، رغم أن الآثار في أي دولة من الدول موضوع أمن قومي، وتعاقب القوانين على سرقتها وتبديدها والتلاعب فيها بالسجن المؤبد واحيانا بالاعدام !
وفي السودان لا احد يهتم، لدرجة أن الجرأة وصلت باللصوص الى درجة سرقة شجرة صندل عملاقة يبلغ طولها 6 امتار (تقدر قيمتها ب 700 الف دولار) من حديقة المتحف القومي قُطعت بمنشار كهربائي، ولم يُعثر للجناة على أثر، وسرقت شجرة صندل أخرى بنفس الحجم ونفس الطريقة من متحف البركل كانت تقبع على مقربة من بيت الخفير، بالإضافة الى سرقة ثلاثة جنائز أثرية كبيرة لا تقدر بثمن، فضلا عن إختفاء الكثير من الآثار من المتحفين في ظروف غامضة !
وكنت قد تناولت من قبل بالتعليق المشروع القطري لتنمية الاثار السودانية الذي اقيم باتفاق شفهي بين قطر والسودان في عهد المخلوع، او بالاحرى بين المخلوع والمسؤولين في قطر، مُنحت قطر بموجبه حق التنقيب عن الآثار في السودان بأكثر من أربعين بعثة ونقل الآثار السودانية الى الخارج بحجة الدراسة قبل أن تستقر أخيرا في المتحف القطري إستعدادا لاستقبال كاس العالم لكرة القدم 2022، مقابل 135 مليون دولار فقط، أقيم ىجزء منها بعض الاستراحات الصغيرة في مناطق الآثار بالشمالية ونهر النيل، ولا يعرف احد اين صرف الباقي، بينما رفضت مصر خلال نفس الفترة مبلغ (4 مليار دولار) مقابل إقامة مشروعات سياحية في مناطق الآثار المصرية وإستعارة قطع أثرية مصرية لعرضها في المتحف القطري .. تأملوا الفرق الهائل بين المبلغين، ورغم ذلك رفضت مصر وقبل المخلوع !
دعكم من الآثار .. من منكم يصدق أن المتحف القومي بالخرطوم كان يؤجَر خلال العهد البائد لإقامة أنشطة لا علاقة لها بالآثار، كما يتحول الى بركة كبيرة في موسم الخريف لاهمال الصيانة المطلوبة .. تخيلوا المتحف القومي الذي يضم العديد من الآثار التاريخية وهو احد اهم المعالم السياحية في البلاد يغرق كل عام في مياه الامطار بدون ان يهتم او يسأل أحد !
اكثر ما يؤلم في جريمة تبديد الاثار والاهمال الذي تتعرض له وتصديرها الى الخارج بغرض الدراسة والفحص بدون عودتها مرة أخرى رغم مرور سنوات طويلة من خروجها .. هو توجيه الاتهام تحت قانون حماية الآثار الى المسؤولين عن حماية الاثار، في انتظار تحويل القضية الى محكمة الجرائم الموجهة ضد الدولة !
تخيلوا .. اتهامات تحت قانون حماية الآثار، ضد من يفترض فيهم، أو من يتوجب عليهم حسب الوظائف التي يشغلونها .. حماية الآثار !

صحيفة الجريدة

Exit mobile version