بقلم/ التاج بشير الجعفري
لا شك أن “كلمة السر” التي تفتقدها أدبيات السياسة السودانية وما يزال يبحث عنها السياسيين وصانعي القرار السياسي هي “التوافق” وهي حقيقة تمثل الكنز المفقود لدينا حاليا في دهاليز السياسة السودانية.
والذي نعنيه ب “التوافق أو الإجماع” هنا هو إمكانية العمل والتعاون بين الساسة والأحزاب بعضهم البعض رغم وجود إختلافات في الرؤى والأفكار وهو ما نعنيه تحديدا في هذا المقام.
وحتى لا يخرج علينا من يقول أن مطبات السياسة وأساليب العمل السياسي والديمقراطي بين الأحزاب تفترض وتقتضي بداهة الإختلاف في الرؤى والأفكار والبرامج وهذا صحيح بالطبع وهو ما يجب أن يكون عليه الحال؛ ولكن ما يحدث لدينا ونشاهده من “غياب التوافق” بل لنقل الخلاف الذي قد يصل درجة الخصومة وتمني “كل شر مستطير” من جانب كل طرف للآخر؛ وهذا لا يمكن إعتباره إختلافا في وجهات النظر او الأفكار، وإنما هو خلاف جذري متأصل ولا رجعة فيه وغير قابل للنقاش او الوصول لتفاهمات حوله، بعكس ما هو عليه الحال في أعرق الديمقراطيات في العالم حيث يتوافق الخصوم من الأحزاب المختلفة ويتناسوا خلافاتهم عندما يتعلق الأمر بالمصلحة الوطنية.
وحسب فهمنا للسياسة فإن الوطن ووحدة أراضيه وسلامة مواطنيه تأتي في المرتبة الأولى فوق أي إعتبار آخر وهو ما يمكن أن يدخل ضمن نصيحتي للأحزاب والسياسيين.
وبناء على ما ذكرت آنفا فلنسأل قادة كل الأحزاب السياسية في بلادنا عما يعتبرونه ضمن ما يعرف ب “المصالح الوطنية العليا”؛ وهنا أجزم أننا سنحصل على إجابات مختلفة وغير متوافقة أو منسجمة مع بعضها البعض .. لماذا؟
لأن قيادات وعضوية هذه الأحزاب نشأت وتربت على إعتبار الحزب هو الأساس ولا يوجد في دساتير وأدبيات هذه الأحزاب أي إشارة لمصالح البلاد العليا؛ وإن وجدت فإنها غير مطبقة في الممارسة الفعلية.
المصلحة الوطنية يا سادتي تتطلب وحدة قوى الثورة من كل الأطياف وتوجيه الجهود المثمرة نحو دعم وتحقيق أهداف الثورة.
المصلحة الوطنية تعني الحفاظ على أمن الوطن وسلامته وعدم تعريضه للخطر من خلال حالة عدم الإستقرار والاستقطاب السياسي والمناكفات والمحاصصات التي لا تفيد الوطن في شيء. المصلحة الوطنية تستلزم المحافظة على تقوية النسيج الإجتماعي وتعزيز السلم الأهلي في المجتمع. المصلحة الوطنية تقتضي القبول بالآخر والجلوس معه من أجل الوطن واستقراره وازدهاره ونمائه. المصلحة الوطنية تفترض المحاسبة من جانب هذه الأحزاب لأعضائها ومنتسبيها الذين يتورطون في الفساد أو خيانة الأمانة كما تملي عليها تقديم الكفء والمؤهل والقادر على تحمل مسؤولية المنصب الحكومي. المصلحة الوطنية تتضمن تطبيق معايير الشفافية والنزاهة والمحاسبة داخل هذه الأحزاب ونقل هذا المنهج وتطبيقه على كل أجهزة الدولة ومؤسساتها. المصلحة الوطنية تتطلب تعضيد وترسيخ دور مؤسسات الدولة ودعمها للقيام بالمسؤوليات المنوطة بها. المصلحة الوطنية تستوجب الحفاظ على موارد الدولة وتنميتها واستخدامها بشكل سليم بعيدا عن الهدر والفساد والمحافظة عليها لأجيال المستقبل.
فأين الأحزاب من كل هذا؟
ما نشهده في الساحة السياسية الآن من جانب الأحزاب والكيانات السياسية هو فقط “تكتيكات مرحلية” تستهدف إما كسب الوقت أو تعطيل الآخر لتحقيق مكاسب معينة ولكنها لا تقدم شيئا للوطن ولهذه الثورة العظيمة ” ثورة ديسمبر” برغم التضحيات الكبيرة التي قدمها الشباب من أجل إنجاح الثورة والمحافظة عليها.
إن ما يريده وينتظره الثوار في الشارع من الأحزاب والكيانات والسياسيين هو التوحد والوقوف بصلابة خلف أهداف ومضامين الثورة الحقيقية بدلا من هذه “المماحكات” التي تمثل خصما على الثورة من خلال هذه الممارسات التي تنتهجها الأحزاب والكيانات والتي لا تفيد البلاد في شيء.
المطلوب الآن التحلي بالمسؤولية الكاملة والعمل كفريق واحد من كافة القوى الداعمة للثورة من أجل تحقيق آمال وطموحات هذا الشباب الصامد في بناء دولة يفاخر بها العالم ويحقق فيها تطلعاته بحياة كريمة ومستقرة ومزدهرة.
فليتكاتف جميع الحادبين لتحقيق هذا الهدف.
* خاتمة:
في مقدمة لمقال سابق، ذكرت أن عدم إحراز أي من فريقي الهلال والمريخ للبطولات الأفريقية الكبرى سببه أن كل منهما يود إحراز البطولة قبل الآخر ولو تطلب الأمر الوقوف عثرة أمام نجاحات بعضهما البعض، ولذلك لم تتحقق البطولة لأي منهما حتى الآن!!
أتمنى أن لا يتكرر هذا الأمر مع “عضد الثورة المجيدة” من الأحزاب والكيانات والسياسيين.🔹
صحيفة الانتباهة