جيش واحد .. دلالات خطاب حميدتي

أعلن النائب الأول لرئيس المجلس السيادي، الفريق محمد حمدان “حميدتي” قائد قوات الدعم السريع، التزامه التام بالعمل مع القوات المسلحة السودانية، وصولاً لجيش واحد مهني يعكس تعدد السودان وتنوعه، ويحافظ على أمن البلاد وسيادتها. وأكد في بيان له التزامه التام بالعمل مع القوات المسلحة السودانية، وكل المخلصين الوطنيين الحادبين على لالتزام بمهامنا الدستورية، والعمل على إصلاح المنظومة العسكرية والأمنية. إذن هل قوات الدعم السريع غيرت موقفها الرافض للدمج في الجيش؟ وما دلالات توقيت الخطاب الآن في ظل تعقيدات الأوضاع السياسية؟.

بيان مفخخ
يقول المحلل السياسي محمد تورشين لـ”السوداني”: (في تقديري ليس هو الخطاب المتوقع من حميدتي في ظل الراهن السياسي المعقد والماثل الآن، هناك معلومات تؤكد بوجود تباين في المواقف والرؤى بين حميدتي والموسسة العسكرية في الكثير من القضايا، بالإضافة إلى وجوده في دارفور، ورعايته واهتمامه بملف بالمصالحات، كل هذا يدل على وجود شيء ما يعد له حميدتي ويحضر له سواء كان فيما يتعلق بمشروعية قوات الدعم السريع كمنظومة موجودة في المشهد السياسي، وعدم رغبته في دمجها فى القوات المسلحة، أو في إطار مشروعه السياسي، إذ إن مشروعه المتعلق باستمرارية قوات الدعم السريع كمنظومة موجودة وقائمة بذاتها لا تنفك من جزئية مهمة جداً يجب عدم إغفالها، وهي المشروع السياسي للحكومة القادمة، والواقع السياسي هو الذي يحدد بقاء الدعم السريع أو دمجه، بالتالي حميدتي يدخل فى الواقع السياسي حتى يحافظ على وجود قواته لأن هذه القوات تشكل مصالح وامتداداً ونفوذاً، لمجموعات إقليمية ودولية، لذلك كان يتوقع أن يكون البيان مختلفاً جداً، لكن بشكل العام اتجه البيان إلى الحديث عن انسحاب القوات المسلحة من العمل السياسي).

آثار أمريكية
ويشير تورشين إلى وجود “نقطة مهمة جداً”، إذ تظهر آثار الضغوط الأمريكية القوية تجاه قوات الدعم السريع ودمجه في الجيش، إذ أنه ولأول مرة يتحدث حميدتي عن جيش سوداني قومي موحد؛ مما يؤكد وجود ضغوط مكثفة في موضوع دمج الدعم السريع وهذه الجهات هي أمريكا التى ترى في حميدتي أنه رجل روسيا في السودان، وبالتالي في المنطقة، وهو ما لم تسمح به أمريكا إذ أنه يشكل تهديداً مباشراً للمصالح الأمريكية فى المنطقة، وهو ما دفع أمريكا لأن تكون موجودة فى تفاصيل الشأن السوداني حتى لا يخرج المشهد من إدارتهم.

بيان مناورة
تورشين يرى أن توقيت البيان مفصلي، وكان يتوقع خطابا آخر من البرهان، لكن هذا يؤكد ثنائية الأدوار بين البرهان وحميدتي، إذ إنه وبعد نحو أقل من شهر من خطاب البرهان ربما الخطوة المقبلة تأتي قبل البرهان سواء كانت بتهيئة المشهد السياسي لانتخابات أو موضوع مهم آخر، فعلياً البيان ناور بذات خطاب البرهان بخروج الجيش من المسرح، وأكد ضرورة وجود الدعم السريع كقوة منفصلة، موضوع الجيش الموحد هو مجرد مناورة سياسية فقط، وفي تقديري جاءت نتيجة ضغوط إقليمية ودولية، خاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

حميدتى ووحدة السودان
أشار حميدتي في بيانه إلى عدد من القضايا المهمة إذ إنه أشار بقوله: “أخاطبكم اليوم وبلادنا تمر بأزمات هي الأخطر في تاريخها الوطني الحديث، أزمات تهدد وحدتها وسلامتها وأمنها ونسيجها الاجتماعي، وتفرض علينا جميعاً وقفة أمينة وصادقة مع النفس، وتحملاً للمسؤولية الوطنية والأخلاقية، إن انتشار الصراعات القبلية على امتداد البلاد، وإراقة الدماء دون مراعاة حرمة النفس التي حرم الله المساس بها، وتعالي أصوات الكراهية والعنصرية، ستقود بلادنا حتماً للانهيار، وهو ما لن نكون جزءاً منه ولن نصمت أو نسكت إطلاقاً على كل من يهدد هذه البلاد وإنسانها. ”

رقابة حميدتي والمخططات
حميدتي لفت فى بيانه إلى أنه يراقب ويعلم تماماً المخططات الداخلية والخارجية التي تتربص بالبلاد “وأدعو من هذا المنبر كل الوطنيين الشرفاء من قوى سياسية وثورية ومجتمعية للتكاتف والانتباه للمخاطر التي تواجه البلاد، والوصول لحلول سياسية عاجلة وناجعة لأزمات الوطن الحالية، فقد حان وقت تحكيم صوت العقل، ونبذ كل أشكال الصراع غير المجدي والذي لن يربح فيه أحد غير أعداء هذا الوطن ومن يتربصون به شراً”.

قرارات يوليو
ومضى حميدتي فى بيانه بقوله: “تابعتم القرارات التي أصدرها السيد رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في الرابع من يوليو الماضي، ونوه إلى أنه كان جزءاً من المجموعة التي صاغت هذه القرارات، وأردف: “عملنا على صياغتها سوياً وعبر تشاور مستمر وبروح الفريق الواحد وبنية صادقة أن نوفر حلولاً للأزمة الوطنية مهما كلفنا من تنازلات، فنحن لن نتمسك بسلطة تؤدي لإراقة دماء شعبنا والعصف باستقرار بلادنا، لذا فقد قررنا سوياً إتاحة الفرصة لقوى الثورة والقوى السياسية الوطنية أن يتحاوروا ويتوافقوا دون تدخل منا في المؤسسة العسكرية، وقررنا بصورة صادقة أن نترك أمر الحكم للمدنيين وأن تتفرغ القوات النظامية لأداء مهامها الوطنية السامية المنصوص عليها في الدستور والقانون، لذا ومن هذا المنطلق فإنني أدعو كل قوى الثورة والقوى السياسية الوطنية للإسراع في الوصول لحلول عاجلة تؤدي لتشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي”.

تقديم العون
وقال حميدتي في بيانه إنه سيبذل قصارى جهده لتذليل أي صعاب قد تواجههم في سبيل الوصول لما يخرج بلادنا لبر الأمان.
“الشعب السوداني الكريم… لقد أمضيت الأسابيع الماضية في دارفور وسأعود إليها مرة أخرى لمواصلة ما بدأته هناك وتنفيذ اتفاق السلام واستكماله. لقد صدمت بحجم الدمار الذي خلفته سنوات الحروب والتهميش هنالك وحجم الصراعات والخلافات بين مكونات الإقليم وانتشار الفقر وسوء الخدمات وغياب الدولة، وقد بذلت جهوداً كبيرة بدأت تظهر نتائجها بصورة مبشرة، لذا سأواصل مع رفاقي الآخرين العمل الذي شرعنا فيه حتى ينعم كل شبر من بلادنا بالأمن والاستقرار وحتى ننهي خطابات العنصرية والكراهية بصورة نهائية لا عودة لها، وأدعو كل أبناء وبنات هذا الشعب لنشر ثقافة التسامح وقبول الآخر والوعي بتعدد بلادنا وتنوعها وضرورة إنهاء كل أشكال التمييز فيها، فكل البشر متساوون ولا فرق بين جهة وأخرى أو قبيلة وأخرى أو عرق وآخر. كلنا بشر خلقنا الله من طين وسنعود إليه ليجزينا عن عملنا فيجازي من أحسن خيراً ويعاقب من أساء بآثامه”.

حماية الثورة.
حميدتي جدد فى بيانه بأنه “ومن موقع مسؤوليتي الوطنية والأخلاقية، أجدد التزامي التام بالعمل من أجل حماية أهداف ثورة ديسمبر المجيدة، وحماية المرحلة الانتقالية حتى تقود لتحول ديمقراطي حقيقي وانتخابات حرة ونزيهة، كما أؤكد التزامي التام بالعمل مع الجيش السوداني، وكل المخلصين الوطنيين الحادبين للالتزام بمهامنا الدستورية والعمل على إصلاح المنظومة العسكرية والأمنية وتنفيذ إتفاق جوبا لسلام السودان بما في ذلك بند الترتيبات الأمنية المنصوص وصولاً لجيش واحد مهني ويعكس تعدد السودان وتنوعه، ويحافظ على أمن البلاد وسيادتها ويصد كل أشكال العدوان ضدها ،كما نجدد الدعوة للأخوة حملة السلاح للانضمام للسلام” .

الخرطوم: سوسن محجوب
صحيفة السوداني

Exit mobile version