العائدون منه الأكثر تشبثاً بالحياة .. الانتحار .. العزف على وتر القبور

قدَّرت دراسة علمية عدد محاولات الانتحار في السودان بمعدَّل عشر محاولات، أسبوعياً، بينما أشارت إلى عدد كبير من المحاولات الفاشلة في السودان، وأكدت وجود رغبة قوية للمقبلين على الانتحار والمنتحرين في الموت الذي يظل مسيطراً على أفكارهم ويرونهم أمامهم في كل خطوة .

وقالت الدارسة التي أعدتها استشاري علم النفس د.نهاد الريح، إن الأشخاص الناجين من الانتحار الأكثر تشبثاً بالحياة بعد عودتهم من رحلة مشاكل نفسية طويلة، وأضافت: الانتحار من الظواهر التي تفشت في السودان بشكل مخيف خلال السنوات الأخيرة، مشيرة لعدة عوامل تقود إليه توردها (الصيحة) في هذه المساحة.

ولعل آخر واقعة انتحار حدثت في السودان تمت في كبري الحلفايا قبل أيام، حيث تداولت وسائل التواصل الاجتماعي في السودان مقطع فيديو لمواطن وهو يوثق آخر لحظات في حياته قبل أن يقرِّر التخلص من حياته قفزاً في نهر النيل من أعلى الكبري.

عودة سريعة

أيضاً – شاب في العقد الثالث من العمر ناجي من محاولة انتحار نفَّذها ضد نفسه قبل شهر، ليعود إلى الحياة بروح جديدة بعد أن رأى وتحسَّس ويلات الموت.

التقت به (الصيحة) داخل عيادة طبيب نفسي فسرد قصته مع الموت واستغفر الله مقرِّراً التوبة .

يقول: قبل عام تم فصله من وظيفة كان يشغلها في واحدة من شركات القطاع الخاص بعد اتهامه باختلاس مبلغ من المال وتشويه سمعته.

معاملة قاسية

طرد “ط” من مكتبه بطريقة قاسية، وتم حرمانه من كل الاستحقاقات، فمكث في المنزل قرابة شهر دون عمل، فظهرت عليه علامات الاكتئاب بعد أن تخلت عنه خطيبته وهي زميلة في الشركة.

مرحلة صعبة

حكى أنه أصبح يثير المشاكل داخل المنزل وترك الأصدقاء والأصحاب وفضَّل الوحدة والعزلة والحياة بعيداً الناس ما انعكس على حالته النفسية.

بدأ في تناول أدوية مهدئة لا علم له بأضرارها لكنها تجعله هادئاً وتدخله في نوبة نوم عميق ليصحو على رغبة الموت.

عملية انتقام

يقول: “كنت أرى جسدي ممداً على الأرض كالحرير وفوقي غطاء أبيض ومن حولي الناس يبكون على رحيلي”.

أكثر سبب دفع “ط” للانتحار -حسب سرده- الانتقام من أشخاص محدِّدين في العمل في مقدِّمتهم خطيبته، فأراد أن يشعرها بالندم ويقلق حياتها، لأنها ظلمته مثلما ادعت عليه الإدارة وهو من أشرف وأخلص الموظفين.

رجوع وندم

بتاريخ 14 مايو 2022م، انتابته نوبات قلق وتوتر وشعر أنه عديم الفائدة وعاجز عن تقديم شيء فسيطر على حياته الاكتئاب لم يتردَّد فتناول عدداً كبيراً من المهدئات دفعة واحدة فقد على إثرها الوعي وظن أنه مع الأموات.

أسعفته الأسرة إلى المستشفى، حيث خضع لغسيل معدة لاستخلاص السموم من جسده، ثم أعطى دربات ليعود إلى المنزل من رحلة الموت وهو يمشي على قدميه ويعتقد أنه عاش تجربة الموت حقاً لكنه على قيد الحياة.

واقعة أخرى

بتاريخ الخامس من شهر يوليو الجاري، انتحر عريف شرطة “م .ع ” بشرطة نقطة الصناعات بولاية جنوب دارفور في ظروف غامضة.

حيث أطلق الشرطي النار على رأسه من بندقيته وهو يعمل خدمة في منطقة الصناعات بنيالا بالقرب من زملائه في الشرطة.

لم توضح تحريات الشرطة ملابسات انتحار الشرطي داخل قسم الشرطة الذي أنشئ لحماية الصناعات من اللصوص الذين اعتادوا سرقة منتجات المصانع من زيوت وصابون.

معدَّلات متزايدة
تلاحظ خلال الفترة الأخيرة تزايد معدَّلات الانتحار في السودان.

تقول منظمة “الصحة العالمية”: إن السودان يأتي في المرتبة الثانية عربياً في معدَّلات الانتحار.

وأشارت إلى تجاوز عدد المحاولات الفاشلة هذا الرقم بكثير.

وبحسب المنظمة فإن الانتحار يعد السبب الرابع للوفاة وسط الأعمار من (15) إلى (19) عاماً.

مُعدَّل كبير

قالت استشاري علم النفس د. نهاد لـ (الصيحة)، بلغ عدد حالات الانتحار الناجية من الموت (240) حالة خلال العام الماضي، وفي النصف الأول من العام الحالي 2022م، بلغت (320) حالة في السودان، بالإشارة إلى نسبة كبيرة غير معلنة.

وتضيف: الانتحار قرار يرتكب غالباً بسبب اليأس والاضطرابات النفسية ولا يجد من يعاني هذه الأمراض غير الموت، وأضافت: هناك أشخاص لديهم الرغبة ويرفضون الحياة، وأشارت إلى حالات لها أكثر من محاولة انتحار بسبب مشاكل أسرية وأخرى جراء مشاكل اقتصادية وعطافية وهناك حالات وصلت إلى الحالات المرضية وتطوَّرت لديهم الاضطرابات النفسية.

أزمات مستمرة

الأزمات التي يمر بها المنتحرون كثيرة جداً، منها العطالة والخلافات في أماكن والديون والمشاكل الأسرية هي الأسباب الأكثر شيوعاً لمحاولات الانتحار، بحسب استشاري الطب النفسي د.عثمان حمدان.

الذي قال لـ” الصيحة”: كل يوم يقرِّر شخص أو اثنان الانتحار، ويتفق مع د.نهاد في أن الناجين من الموت الأكثر تشبثاً بالحياة، لافتاً إلى ازدياد محاولات الانتحار خلال السنوات الثلاث الأخيرة بمعدَّل كبير جداً.

فتوى رسمية

حول رأي الدين بشأن المنتحر أصدر مجمع الفقه الإسلامي فتوى سابقة بعد تكرار حوادث الانتحار، حيث أجاز قراءة الفاتحة وقيام صلاة الجنازة عليه وتقبُّل العزاء في المنتحر مثل كل مسلم.

وكان إبراهيم آدم الشين، قد قال لـ (الصيحة): المنتحر رغم فعلته فهو مسلم ولكنه يعتبر مرتكباً لكبيرة من الكبائر مثل المسلم الذي يقتل شخصاً آخر،

مؤكداً على حقه في أن يقبر ويصلى عليه مثل كل مسلم مات ويستغفر له ويعامل معاملة المسلمين وفقاً لأحكام الجنازة المسلمة وليس معاملة الكفار.

وأكد بأنه ليس في الأمر حرج في أن تقرأ على روحه الفاتحة وأن يقام له عزاء.

الخرطوم : انتصار فضل الله
صحيفة الصيحة

Exit mobile version