محجوب مدني محجوب يكتب: لا بديل لفساد السياسة إلا بإصلاحها

محجوب مدني محجوب

كلما تجاهلنا الساسة وكلما غضضنا الطرف عن أفعالهم سواء بسبب سوئها أو بسبب صعوبة اتفاقهم إلا ونجد أنفسنا إزاء هذا التجاهل أمام صاعقة مدوية جراء هذا الخلل وهذا الفراغ الذي يحدثه سوء فعلهم وعدم اتفاقهم.
مارس الجميع خلال هذه الأيام حياتهم الطبيعية تاركين الشأن السياسي سواء عن قصد أو عجز مستقبلين عيد الأضحى المبارك، فلا تكاد خطبة عيد إلا وتناولت مواضيع عامة تحث فيها المسلمين على شكر الله على نعمه أن بلغهم العشر الأوائل من ذي الحجة أفضل الأيام واصفة لكل مسلم كيفية اختيار أضحيته، وموعد ذبحها مبينا كل خطيب فضل وعظمة أجرها، وما ينبغي أن يعمله كل مسلم في هذا العيد المبارك إزاء أقاربه وجيرانه ومعارفه بل وخصوماته.
أدى مسلمو السودان فرحتهم بالعيد، وكأنهم في إجازة إزاء الأزمة السياسية التي تعم البلاد.
وكأن لسان حالهم يقول لا بارك الله في السياسة، فسوى الهم والغم لم نحصل منها على شيء، فلنتركها ولو قليلا.
حتى رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان ترك العاصمة بقصرها، وذهب يرتاح قليلا في مسقط رأسه مع أهله وعشيرته.
بماذا فقنا إزاء هذا البرنامج الديني الاجتماعي المفعم بالتواصل والترابط الأسري؟
فقنا على أخبار مدوية كان ينسج لها القدر دون أن ندري.
كنا نظن أن الزمن سيمهلنا ولو خلال إجازة عيد الأضحى المبارك؛ لنشعر بالدفء وبالاطمئنان وبالأمن.
لكن يبدو ألا استقرار وألا اطمئنان وألا إجازة سعيدة هادئة دون استقرار سياسي.
من أين جاءت هذه الحقيقة المرة؟
جاءتنا وبلا مقدمات وبلا سابق إنذار من بلاد الخضرة والخير من الروصيرص من قيسان بأنه ونتيجة لخلاف بسيط بين قبيلتي الهوسا والبرتا راح ضحيته وفي غمضة عين عشرات القتلى والجرحى.
لتصل لنا الرسالة واضحة ومجلجلة بألا حل مع السياسة الخرقاء إلا بسياسة ناضجة واعية.
لا ينفع مع السياسة الخرقاء إجازة عيد.
لا ينفع معها المكوث ولو قليلا مع الأهل للاستمتاع بذبح الأضاحي.
لا ينفع معها الاسترخاء ولو قليلا لسماع خطبة لشيخ كل همه أن يجعل المسلمين يستشعرون عظمة أيام عشر ذي الحجة التي فضلها الله على جميع أيام العام لدرجة أن هذا التفضيل نال مبلغا من الصحابة رضوان الله عليهم حينما علموا بأنها أفضل حتى من الجهاد إلا رجلا خرج بنفسه وماله مجاهدا في سبيل الله ولم يرجع منهما بشيء.
كل هذه المعاني التي عاشها المسلمون خلال هذه الأيام المباركات صعقوا بعدها بعظم الفراغ الذي يمكن أن يحدثه الساسة.
هذا الفراغ الذي لم يمهل انقضاء فترة إجازة عيد الأضحى.
اشتباك في غاية من البساطة بين رجلين تطور إلى قبيلتين لم يكن قطعا وليد اللحظة، وإنما كان أشبه بقنبلة تفجرت بسبب غياب الدور السياسي.
ليقدم رسالة في غاية الصعوبة والتعقيد يفهمها من يفهمها لا يهم.
المهم ألا حل وألا هروب وألا تغاضي عن هذا العبث السياسي الذي يعم جميع أنحاء البلد بدءا بالمركز وانتهاء بكل جزء من أجزاء هذه البلاد إلا بإصلاح شأنه.
إلا بتصويب مساره.
إلا بتثبيت أسسه.
لا ينفع معه تجاهل ولا ينفع معه انتظار حتى ولو كان هذا الانتظار قضاء إجازة عيد الأضحى المبارك.

صحيفة الانتباهة

Exit mobile version