المشروع الإماراتي كان في منطقة (الفشقة) لكن السودان اعتذر
القطريون اشترطوا منع أي دولة أخرى للاستثمار في مجالات الموانئ لمدة 25 عامًا
السودان شھد إقبالًا كبيرًا في عهد الحكومة السابقة من (…)
وقعت حكومة د. عبدالله حمدوك السابقة مذكرة تفاھم مع الإمارات لتنفیذ حزمة مشروعات اقتصادیة، ثم أعلن مؤخرا رئیس مجلس إدارة مجموعة دال الغذائية، رجل الأعمال أسامة داؤود عبداللطیف، عن شراكة إماراتیة مرتقبة لإقامة میناءٍ حدیث، الأمر الذي أثار العديد من الاستفهامات.
وبما أن المھندس میرغني موسى حمد كان وزیرًا للنقل وتقع الموانئ البحریة ضمن اختصاصاته وكذلك ذا علاقة طويلة بمجموعة دال بالإضافة إلى أنه أحد أبناء شرق السودان المهتمين بالحركة السياسية والمجتمعية في السودان، (السوداني) جلست معه في حوار شفاف عن تفاصیل العرض الإماراتي وعلاقة دال ومدى تقبل المجتمع المحلي باستضافة المشروع الإماراتي بالإضافة إلى العدید من الملفات المتعلقة بتجربته في وزارة النقل خلال فترة شغله للمنصب (من بداية فبرایر ــ نهاية أكتوبر 2021).
• ما هي تفاصيل العرض الإماراتي في شمال بورتسودان خصوصًا وأنه أثار جدلًا كثيفًا؟
في فترة حكومة الثورة (الدورة الثانیة) كان ھنالك إقبال كبیر منذ مؤتمر باریس وعودة التعاون مع البنك الدولي وبنك التنمیة الإفریقي وقدوم كبرى الشركات العالمية والشركات المتخصصة في مختلف المجالات، خاصة بعد إجازة قانون الاستثمار وكذلك قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص (ppp).. وساهمت الرؤية المحترمة لوزارة الاستثمار ورؤیة الحكومة في استقطاب مشروعات ذات حزم متكاملة بدلًا عن المشروعات المنفردة واستصحاب البعد الاجتماعي في المشروعات في القطاع الاقتصادي، وقد تقدمت عدة دول لیست دولة الإمارات وحدھا إنما كانت ھناك عروض من السعودیة وزارنا وفد یتكون من 46 مسؤولًا سعودیًا برئاسة وزیر الزراعة السعودي وكذلك تلقینا عروضًا للاستثمار من دولة قطر وحتى من دول شرق أوروبا في قطاعات اقتصادیة كثیرة.
• هذا لا يوضح تفاصيل العرض الإمارتي؟
الإخوة الإماراتیون تقدموا في البدایة بمشروع للاستثمار الزراعي في منطقة الفشقة یتمثل في بناء مدن وخط حدیدي وطریق بري ومیناء على الساحل السوداني جنوب سواكن.. وقد كَوّن رئیس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك لجنة من القطاع الاقتصادي برئاسة وزیر المالیة د. جبریل إبراھیم وتمت دراسة العرض من كافة جوانبه الاقتصادیة والسیاسیة والأمنیة، واستقر رأي الحكومة على الاعتذار عن المشروع نسبة لأن منطقة الفشقة منطقة حدودیة مرسومة العلامات لكن العلامات غیر واضحة في الوقت الحالي، غير أن الإخوة الإماراتیين أصروا على الاستثمار في السودان لإدراكھم أھمیة الفرص الاستثماریة فتقدموا بمقترح جدید عبارة عن حزمة مشروعات اقتصادية مطالبین بمساحات زراعیة في منطقة أبو حمد تقدر بآلاف الأفدنة من الأراضي الزراعیة كما طالبوا بمنحھم أرضًا على الساحل لإقامة محطة (Terminal) (میناء لتصدیر المحاصیل الزراعیة) لضمان التطویر وانسیاب صادراتھم لأن الانطباع العام لدى المستثمرین أن الموانئ السودانیة الحالیة عاجزة ولھم تجارب مریرة فیھا.
• وما تفاصیل محطة الـ (Terminal ) الإمارتیة على الساحل؟
المشروع الإماراتي ھو حزمة من الاستثمارات الزراعیة وروافدھا من الطریق البري ومیناء التصدیر ومشروع لشراء شركة بشائر لطلبات الوقود وغیرھا، وتم الاتفاق على منحھم أراضي زراعیة في أبو حمد والسماح لھم بمد طریق بري مرصوف ومیناء للصادرات الزراعیة شمال بورتسودان في أبو عمامة بالقرب من خلیج شنعاب في منطقة دلاوت، وھنا أتت شراكة السید أسامة داؤود ومجموعة دال.
• وكيف ذلك؟
دعني أكمل لك.. مذكرة التفاھم التي طرحت مع دولة الإمارات ودولة السودان عند مطالبتهم بالحزمة الاقتصادیة، احتاجوا لمعرفة أي منطقة ساحلیة صالحة لتصدیر منتجاتهم الزراعية، فاقترحوا المضي لشمال بورتسودان وتم اختيار منطقة (دلاوت) أو ما یعرف بأبو عمامة فھي موانئ طبیعیة وبھا مرسي طبیعي، وكانت في سبعینیات القرن الماضي تستخدم للتھریب ولصادر خام الحجر، فطالبنا من ھیئة الموانئ دراسات عن استخدامات الساحل ككل ومنطقة أبو عمامة بالتحدید وتم توقیع مذكرة التفاھم یوم 21/7/2021 من قبل وزیر المالیة د. جبریل إبراھیم بصفته رئیس القطاع الاقتصادي وبین دولة الإمارات وذلك بعلم ومصادقة رئیس الوزراء د. عبدالله حمدوك وبمشاركة الجھات المختصة في القطاع.
أما بالنسبة للسید أسامة داؤود أعتقد أنه وبحكم وضعه الاقتصادي كأكبر وأنجح مُصدر للمحاصیل الزراعیة من الأعلاف وغیره ویصدر لدول متقدمة من بینھا دولة الإمارات، فكان من الطبیعي أن یطرح أسامة داؤود استخدامه للشارع والمیناء ویشارك كصاحب مصلحة ومستثمر وطني یعمل على خدمة بلاده، وأعتقد أن وجوده یعطي المشروع طابعًا جديًا ومنھجًا علميًا ویحفظ للسودانیین حقھم..
• ھناك توجس ومخاوف أن یكون وجود میناء مملوك لدولة أجنبیة داخل السودان خصمًا على الموانئ السودانیة؟
ھذه ھواجس في غیر موضعھا، كبریات الموانئ والدول تعتمد في تطویر قدراتھا على الشراكات الأجنبیة ذات الإمكانات المالیة والفنیة، وفي كل دول العالم یسمح للأجانب بالاستثمار في القطاعات البحریة ونحن في السودان أحوج ما نكون لاستقطاب مثل ھذا النوع من الاستثمار فإنساننا في شرق السودان يفتقر لأبسط الخدمات من المياه الصالحة للشرب وبحاجة ماسة إلى أي نشاط اقتصادي سواء كان أجنبيًا أو وطنيًا، فأنا لست مع نظریة المؤامرة ولا اؤید شیطنة المستثمرین وكواحد من أبناء الشرق وكفاعل في مجتمعي أؤكد لك أن المجتمع المحلي یرحب بھذا المشروع ومستعد للتعاون معه حتى یصبح أمرًا واقعًا..
• أي لا مبرر للخوف؟
أناشد عبرك جمیع المتوجسین من ھذا المشروع، أننا واثقون وقادرون على حمایة مصالح شعبنا ویجب أن ينصب تفكيرنا ونوظف طاقاتنا في حفظ حقوق أجيالنا من هذه الاستثمارات ونحاول أن نضمن مصالح لأهل المنطقة بدلًا عن الركون لنظرية المؤامرة كما نرأى أن على الدولة أن تعمل على تطویر الموانئ الوطنیة وفك القید عنھا حتى تنطلق وتنافس كغیرھا من الموانئ في المنطقة على التجارة البحریة، فلیس من المعقول ولا من المنطق أن نتوجس من استثمارات ذات عوائد كبیرة كالاستثمار الإماراتي المطروح حالیًا، علمًا بأنني لا أدافع عن الإمارات ولم أتشرف حتى بزیارتھا خلال فترة شغلي لمنصب الوزير ولیست لدي علاقة شخصیة مباشرة معھا لكني أعتقد صادقًا أن أي استثمار في المنطقة سیسھم بشكل مباشر في تحسین الأوضاع المعيشية لأهلنا وسیمثل فرص تشغیل لأبناء المنطقة مما یجعلني أساند وأدعو الآخرین إلى دعمه ومساندته، ھل تعلم أنه لا یوجد طریق معبد سوى الطریق الوحید (الخرطوم بورتسودان) في وقت وكان یمكن أن يتم ربط كل منطقة الساحل بما یقابلھا من أجزاء الوطن الأخرى.. نحن بحاجة لطرق كالطریق الرابط بین أبي حمد وشمال بورتسودان لإحياء المناطق الواقعة على مسار الطريق فبتعبید الطریق الرابط بین شمال بورتسودان ومنطقة أبي حمد ستزدھر كل المنطقة من خلال إنشاء ورش للسیارات ومطاعم ومستشفیات وفنادق وغیرھا كما ويكون الطريق رابطًا اجتماعيًا يمتن علاقة أهلنا في الشرق والشمال.. وأتمنى أن یتم كذلك مد طریق بري بین عقیق و كسلا مثلًا لإحیاء كل المناطق في الشرق وربطھا ببعضھا البعض ولتمكین موانئنا لخدمة التجارة السودانیة وأن تستغل كمنافذ لتجارة الدول المغلقة مثل تشاد وإفریقیا الوسطى وجنوب السودان وإثیوبیا ..كل هذه الدول یمكننا تخصیص موانئ لصادراتھا، خذ مثلًا أن دولة إثیوبیا قد حولت استثماراتھا إلى جیبوتي التي أنشأت واحدًا من أحدث الموانئ علي الطراز العالمي بإیدي الصینیین وبتمویل من دولة الإمارات.
• لعل التوجس السیاسي نابع من أن حكومة الثورة لم تُفعِّل مذكرات التفاھم التي وقعت في عھد الحكومة السابقة مثل اتفاقیة قطر في میناء سواكن لمزید من الشفافیة أرجو أن توضح لماذا تخلیتم عن العرض القطري في سواكن؟
لم نتخل عنه نحن راجعنا ھذه الاتفاقیة ووجدنا أنھا اتفاقیة ممتازة ماعدا شرط واحد وھو ألا یسمح السودان لأي دولة أخرى للاستثمار في مجالات الموانئ لمدة 25 عامًا، وھو شرط قاسٍ ومعیق ومكبل للسودان في الاستثمار البحري.. وبالفعل تم التواصل مع الحكومة القطریة وجلسنا معھم واتفقنا على أن مذكره التفاھم ھذه غیر ملزمة وأنه لا یمكن التدخل في سیاسة السودان وأظھروا تفھمھم وقد ناقشنا عدة جوانب اقتصادیة وناقشنا بعقول مفتوحة مسألة میناء سواكن وشكلنا لجنة ما بین وزارة النقل السودانیة والقطریة آنذاك وشرعنا فیھا وقدمنا خطابًا لدولة قطر آنذاك وشكلوا لجنتھم الخاصة ودعوناھم إلى الحضور ولم یتوقف التواصل بیننا حتى تأریخ انقلاب ٢٥ أكتوبر ومغادرتي المنصب.
• أذكر أنكم قد أجزتم قانون بحري في مجلس وزراء حكومة الثورة قبل الانقلاب لكنه لم يمض إلى الأمام أرجو أن تطلعنا على أهمية ذلك القانون؟
القانون البحري هو قانون مهم جدًا ونحن وجدناه كمسودة معدة للمناقشة فناقشناه وأجزناه في مجلس الوزراء وكان من المفترض أن يحال للمجلس التشريعي فور تكوينه وهو قانون يخص فصل السلطة الرقابية عن السلطة التشغيلية في هيئة الموانئ البحرية ويسترد حقوق السودان في المنظمات البحرية الدولية والإقليمية، فالسودان فقد الكثير من حقوقه من عضويته في المنظمات البحرية وذلك نتيجة التخبط والعمل بعيدًا عن معايير ومصالح الدولة، فالعالم الآن يُعتبر أسرة واحدة خصوصًا في المجال البحري وطبيعة العمل القانوني في البحار والمنظمة الدولية البحرية يتطلب من السودان الوفاء بالالتزامات بصورة راتبة الأمر الذي لم يحدث في العهد البائد كما أن عدم وجود مندوب بصورة دائمة في لندن يمثل السودان في المنظمة الدولية البحرية أهدر كثيرًا من الفرص والحقوق وخصم الكثير من السودان وتم استغلال مقعد السودان في المنظمة البحرية استغلالًا سيئًا وحتى في جانب التصويت ومن هنا تنبع أهمية القانون البحري الذي يقبل الرقابة البحرية عن الموانئ ليكون هناك مندوب دائم يطرح لنا الخيارات المطروحة للكلية البحرية للاستفادة منها وأيضًا معرفة المتطلبات التي يمكن تنفيذها لرفع الكفاءة في الجانب البحري من جرف جائر وتلوث وغيره وكيفية نشر المعرفة الموجودة للعالم وإحساسه للسودان والسودانيين لتعليم الأجيال القادمة كيفية المضي قدمًا نحو الأمام.
حوار: عبدالقادر باكاش
صحيفة السوداني