بخاري بشير يكتب: دماء في العيد!

المعروف أن عيد الفداء العظيم تسيل فيه دماء الأضاحي لتملأ الطرقات؛ ويتمثل المسلمون في عيد الفداء بسنة النبي الخاتم عليه أفضل الصلاة والسلام؛ مقتدين فيها بهدي سيدنا ابراهيم عليه السلام؛ الذي فدت السماء ابنه اسماعيل الذبيح بكبش عظيم.. هذا العيد الذي يؤدي خلاله الحجاج مناسك الحج من شهر ذي الحجة كل عام؛ إنه العيد الذي تعلو فيه مواسم الخيرات والبركات وتمتد فيه ألسنة التهليل والتكبير لتصل عنان السماء.

نسوق التهنئة بعيد الفداء لكل قرائنا في (الانتباهة)؛ ولكل أبناء السودان بمختلف ألوانهم ومناطقهم؛ ولعامة المسلمين متمنين لهم دوام الصحة والمنعة.. ومتمنين لسوداننا الحبيب الاستقرار والسلام والأمان؛ ودوام السؤدد والمنعة والرفعة.

بعد أن تدفقت دماء الأضاحي في العيد وملأت الطرقات؛ وفرح المسلمون بهذه المناسبة العظيمة؛ اذا بدماء (انسانية نبيلة) تسيل في واحدة من ولايات السودان هي – ولاية النيل الأزرق- سالت دماء الانسان في النيل الأزرق قبل أن تجف دماء الأضاحي؛ ويا لها من مفارقة عندما يقتل الانسان أخاه الانسان؛ مهما كانت الأسباب..

أنباء حزينة جاءت بسحائب سوداء على السودانيين وهم يسمعون أن ما لا يقل عن (31) روحاً بريئة سقطت في اقتتال قبلي بالدمازين والنيل الأزرق؛ وما يزيد عن الـ (41) مصاباً وجريحاً.. وهكذا يستمر (مسلسل الدم) في السودان ولا حلول.. لقد صار الدم السوداني أرخص من دماء تلك (الأضاحي) التي ذبحناها في عيد الفداء.

يقتتل السودانيون في ظل واقع سياسي (محتقن)؛ وأفق (مسدود).. تتجاذبه السيناريوهات العقيمة؛ والغريب أن المقتتلين هم أبناء (القبائل والاثنيات) المختلفة التي تمثل السودان البلد.. اندلعت بينها الفتنة لعنها الله .. وذلك في وقت لا زال السياسيون يمرحون ويروحون في برنامج فشلهم المستمر؛ وهذه الفتنة يروح ضحيتها عدد من أبناء السودان الأعزاء.

لا يظنن القاتل أنه انتصر بقتله لأخيه؛ فكلا الجانبين مظلوم المقتول يظهر ظلمه في دمائه التي اريقت بلا وجه حق.. والقاتل مظلوم بالدماء التي لطخت يديه؛ وأن الاسلام يقول “إن هدم الكعبة أهون من اراقة دم امرئ مسلم”.

الرابح الوحيد من هذه الفتنة هو (الجهة) التي تقف وراءها ؛ لأن الفعل غريب على أهل السودان حتى وقت قريب.. كان السودانيون في الماضي لا يعرفون القتال فيما بينهم مهما كانت مكوناتهم الجهوية؛ وكانوا يعيشون في سلام وأمان.. يعيش ابن الشمالية في أقاصي غرب دارفور وكذلك يفعل الدارفوري عندما تجده في آخر نقطة من شرقنا الحبيب.. وكذا يفعل الآخرون.

عاش اجدادنا في توادد وتسامح لا مثيل له؛ وكانوا لا يعرفون الدم ولم يروا لونه؛ الا دفاعاً عن الأرض السودانية والعلم السوداني؛ وكان الأبناء ينصهرون في بواتق العلم ومدارسه في الغرب والشرق والوسط والشمال؛ وهم يمثلون كل الطيف المجتمعي بتكويناته المختلفة.. وحتى تخرجهم لا يعرف أحد (قبيلة الآخر)؛ لأن الجميع سودانيون.

ترى الى أين تريد هذه الجهة أن تقود السودانيين؟ فهي التي علمتهم كيف يكون لون الدم.. يرى خبراء بعين زرقاء اليمامة أن ما يحدث في السودان هو الخطوات الأولى للحرب الأهلية.. ليسهل التقسيم من بعد ذلك؛ واقتسام الموارد البكر لهذا البلد.. فهل تعي السلطات الدرس قبل أن يمضي المخطط؟

صحيفة الانتباهة

Exit mobile version