قصة معتقد السبر في السودان

في الحياة الموت والرقص الغناء والجمال عادات مختلفة يمارسها إنسان منطقة جبال النوبة.
و لأن السودان بلد متعدد الأعراق والثقافات تنتشر عادات وتقاليد تختص بها جماعات عرقية دون غيرها. لا الظروف ولا مرور الزمن استطاعت أن تغيرها أو تنهي وجودها.

ثقافة مختلفة

أغلب الثقافة السودانية الموجودة اليوم يستنتج أنها نتاج للثقافة الفرعونية والثقافة النوبية والمسيحية والإسلامية. وحين دخل العرب إلى السودان واختلطوا بأهله الأصليين، تمازجت الثقافة العربية مع الثقافة الأفريقية وأنتجت لنا ثقافة سودانية جديدة وغير منتشرة سوى في السودان. مما جعلها تلفت أنظار العالم وباحثي التراث والمهتمين به. وتم توثيقها بواسطة باحثين في مجال التراث من القارتين الأوروبية والأميركية.

جبال النوبة

في غرب السودان وتحديداً منطقة جبال النوبة، التي تُعد من أكثر المناطق ذات الإرث الثقافي والتراثي الغني، أثرت طبيعة المكان وطريقة الحياة هناك في عادات وتقاليد أهل المنطقة الذين يعيشون بين سلسلة من الجبال التي تصل إلى 99 جبلاً. وتميز أهل المنطقة بطريقتهم الخاصة في التعبير عن أفراحهم وأتراحهم، إضافة إلى امتلاكهم إيقاعات مميزة وجذابة بواسطة الطبول. ورقصهم الذي لا وجود لمثله في أي منطقة في العالم، وأزيائهم التي تُصنع من الطبيعة المكونة من الريش والجلود.

مناسبة سنوية

تُقام في المنطقة مناسبة سنوية وهي عبارة عن سلسلة احتفالات مختلفة يُطلق عليها تسمية “أسبار” ومفردها “سبر”. وتُقام تلك الطقوس عند الموت والفرح. وفي مناسبات خاصة أخرى مثلاً عند بلوغ الصِبْية سن الـ 13 من عمرهم، حيث يتم ضربهم بسوط السعف على ظهورهم وبمجرد انتهاء المراسم ينتقل الصبي إلى طور الرجولة.
أما الفتيات في نفس السن فيتم حبسهن ثلاثة أشهر بعدها وبحسب معتقداتهم تعد الفتاة مؤهلة للزواج.
أما طقس القصد فيقصد به الوشم، وهي عادة يتم فيها صنع وشوم على الوجه وتعني عند أهالي جبال النوبة عدم الخوف والوقاية من المرض.
ومن عادات “الأسبار” لدى مجتمع جبال النوبة والقبائل ذات العرق الأفريقي، نجد “الكجور” وهي كلمة ذات طابع روحي وتعني القوة الكبيرة التي تنظم حياة الأفراد في جبال النوبة، ويقوم بالمناسبة قائد روحاني واحد بمثابة رجل دين.
ويقول الدكتور في علم الاجتماع محمد الخليفة إن “حياة إنسان جبال النوبة غنية ومليئة بالعادات والتقاليد والطقوس التي لم تتأثر بالعالم ولم يتخلَ عنها، حيث نلاحظ أن إنسان النوبة لا يترك عاداته حتى وإن تقلد أرفع المناصب وانتقل للعيش خارج منطقته. لذلك نجد أنها عادات لا تنتهي ولا تتأثر بالمجريات الخارجية. وظلت كما هي حتى الآن من دون أي تغيير في طريقة أدائها”.

طقوس الموت

وعن الطقوس التي تُقام في الموت يقول الخليفة، إن “إنسان جبال النوبة ظل يؤمن بالموت ويحتفي بالميت ويقيم طقوساً خاصة به لفترة طويلة، وهذا يعكس الترابط الوثيق بينهم ويدل على أن سكان المنطقة يحترمون الموتى ولا ينسونهم. ومن تلك الطقوس المقامة الضرب على الطبول، وتجمع النساء لتعداد صفات الميت بطريقة معينة أشبه بالبكاء ودق الطبول مع ذبح أنواع معينة من الماشية كالأبقار والغنم وتقديم رؤوسها في الجنازة”.
أما عن تشابه العادات بين المجموعات المتخلفة فقال الخليفة “تختلف العادات من قبيلة إلى أخرى وبين مجموعة دينية وأخرى. ولكن الاختلاف طفيف، حيث يجتمعون على الفكرة الأساسية ويختلفون في التفاصيل الصغيرة”.

زينة وجمال

عادات معينة يقوم بها سكان جبال النوبة الهدف منها تجميلي بدأت منذ مئات السنين وتستمر حتى يومنا هذا، تتمثل في الوشم والنقش على الجسد وثقب الأنف ودق الفم ليصبح لونه داكناً وخلع الأسنان السفلية عند الشباب.
وفي هذا السياق قالت الباحثة في تراث النوبة إيمان مهتدي، إن “العادات الجمالية كثيرة ومتنوعة وتختلف من قبيلة إلى أخرى ومن أبرزها ثقب الأنف والفم ومناطق متعددة من الوجه والشلوخ وهي عملية يتم فيها شلخ الوجه في مناطق مختلفة لاعتقادات أنها تحافظ على الوجه من الشيخوخة”.
وعن دلالاتها تقول مهتدي إن “كل تلك الممارسات الغرض منها ليس تجميلياً فقط بل لها أبعاد أخرى، حيث يتم صنع ثقب في الفم بواسطة آلة يتم وضعها في النار وتسخينها بحرارة عالية حتى تستطيع ثقب الفم، والغرض منها تمرير الأكل والشرب للشخص بعد وفاته. حيث يقومون بدفن المأكولات والمشروبات مع الميت. أما عملية خلع الأسنان فتعبر عن الشجاعة والبطولة وقوة تحمل الأذى لأنها تتم دون وضح أي مخدر”.

مصارعة حرة

بعيداً من عادات الجمال تعود بنا الباحثة مهتدي إلى طقوس دورة الحياة وتقول إن “المصارعة هي إحدى الطقوس المتعلقة بدورة الحياة في جبال النوبة، وتُعد من أهم الرياضات الشعبية ولها وقتها الخاص، حيث تقام في أشهر الحصاد من أغسطس (آب) حتى ديسمبر (كانون الأول) وتُعرف بأنها غير عنيفة وفيها فعاليات أخرى تشمل الرقص والغناء”.

إندبندنت

Exit mobile version