د. عبد الله علي إبراهيم
لن تعدم المكر من وراء خطاب البرهان اليوم لو أردت. ولا التآمر. ولا أي خصلة منكرة مما اعتدنا عليها منه. وليس تغنينا الشكوى، ولا التوجس، ولا سوء الظن حيال الخطاب عن أن نقيمه في مادته وسياقه للمضي بالثورة إلى غاياتها. ليس الخطاب نصاً للتفتيش عن ثقوبه والفلاحة في ذلك. إنه سياسة وهي، طالما كانت حول مصالح مادية واجتماعية وتاريخية، مناط المكر والتآمر. فإن أردت من البرهان موقفاً تسعد به طال انتظارك.
فلا نريد لأي ثقوب في بيان البرهان اليوم أن تحول دوننا من أن نعده انتصاراً لإرادة المقاومة لانقلاب 25 أكتوبر. فلأول مرة تنفذ دعوة الشعب أن يعود الجيش للثكنات إلى أذن الجيش من فوق معركة منعقدة منذ ثلاث سنوات. كانت المدنية كسباً أزف اليوم وقته منذ صدح به جيلنا خلال نضالنا ضد حكومة الفريق إبراهيم عبود. وبدا أنه نَضِج وحرسته المقاومة لم تبخل بذلاً لتحقيقه مضرجة بالدم. وكانوا حراساً لهذا المبدأ الجوهري للانتقال الديمقراطي حتى والبرهان ما يزال يذيع بيانه. وأضطر البرهان في بيانه الذي نرتاب فيه إلى ذكر مأثرة شباب المقاومة وتضحياتهم. فإذا غلّبنا الهواجس من البيان على حيثياته وسياقها سيحار المرء كيف يعرف أي إمري أنه انتصر.
ولم يرد الشعب بمطلب المدنية إساءة للجيش. فهي بالأمانة دعوة لاستنقاذه هو نفسه من تجربة طويلة في الحكم، أو من حوله، لا أعتقد أنها أسعدته بالطبع. وبالطبع لم نرد بالمدنية أن تعجل قيادة الجيش بها في توقيتها الخاص. فالبيئة السياسية التي غادرها البرهان للمدنيين للقيام ب”الحوار السوداني-السوداني” من صنع عسكريّ مجلس السيادة. فلم يدخر العسكريون جهداً منذ زعمهم “الانحياز للشعب” في انقلابي 11 و12 أبريل 2019 إلى انقلاب 25 ديسمبر 2021 من تخريب الانتقال الديمقراطي للحكم المدني. فظاهروا قوى الثورة المضادة، وفكوا عقدة لسانها الذي الجمته الثورة، وعززوها في مواقع الدولة لتصفية ما تحقق بفعل الثورة في طريق الانتقال الديمقراطي. فليس من الأصول أن توسخ موضعاً كنت فيه ولا تميط الأذى عنه.
التحدي أن نتواثق على ما ينبغي أن نعمل لما بعد البيان لا أن نفتش فيما قبله كان بيان البرهان مناورة أو مؤامرة أو مكيدة. ومن ذلك:
-التأكيد أن الحوار الذي سيجري لتشكيل الحكومة الانتقالية وبرامجها هو حوار نحو الانتقال الديمقراطي ولن يكون المؤتمر الوطني فيه بحال من الأحوال.
-أن ينعقد على وجه السرعة المجلس التشريعي المأمول بالنسب التي اتفقت للمفاوضين بعد سلام جوبا في 2020. وأن تبذل قوى الحرية والتغيير قصارى جهدها لاستصحاب الحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال) وحركة تحرير السودان كأطراف لا غني عنها في حوار التحول الديمقراطي.
-أن يلتزم المجلس العسكري بجدولة واقعية وهميمة لعملية دمج الدعم السريع في القوات المسلحة. فإذا كان للجيش مخاوفه من فرقتنا كمدنيين فلنا كمدنيين مخاوفنا من أن يكون في جيشنا قوى مسلحة لا تخضع لسلسة القيادة وتتصرف كجيش ثان. كما نطلب من المجلس العسكري استكمال النقاش الذي جرى في وقت سبق حول استثمارات الجيش (والدعم السريع) في الاقتصاد لأننا كمدنيين أيضاً نريد للجيش أن يجرى الصرف عليه من وزارة الدولة للمال المالكة لزمام الموارد فيها.
جلية الأمر ليس في بيان البرهان ومفرداته كيف حملتها. الجلية فيما يلي قوى الثورة لضبط تنزله في مسار التحول الديمقراطي للبلاد.
صحيفة التحرير