واقع مؤلم .. مستقبل مظلم .. جريمة ضد الإنسانية .. عمالة الأطفال

رئيس المنظمة الوطنية لحماية الأطفال:عمالة الأطفال في السودان سببها تدهور الأوضاع الاقتصادية

خبير تربوي: الدين الإسلامي لا يكلف الأطفال في العبادات وبالتالي لا يحق تبرير عملهم

محام: يجب تفعيل دور القانون بالضغط على الدولة لحماية وصون حقوق الأطفال

السفير د. علي يوسف

**ظاهرة عمالة الأطفال تتفاقم يوماً بعد يوم في كل المجتمعات العربية والإسلامية والأفريقية وخصوصاً في بلادنا بعد تدهور الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعتبر جريمة ضد الإنسانية وحقوق الطفل الجميع يتفق على ذلك ولكن الغريب أن تجد من يبرر ويشجع عمالة الأطفال بحجة: “لما كنا صغاراً عملنا أي حاجة”.. وهذا ليس له تفسير غير أن هؤلاء الأشخاص هم أنفسهم كانوا ضحية ظاهرة عمالة الأطفال.. كيف لنا تجاهل نظرات عيون الأطفال الذين يعملون دون السن القانوني حاجتهم إلى اللعب والنوم، لأن العمل يتطلب القيام مبكراً في وقت يحتاج فيه هؤلاء الأطفال لمزيد من الراحة والطمأنينة

والمرح .. في ظل غياب المسؤولية من قبل الأسر هناك مئات الأطفال بالشوارع يعملون ليل نهار ولسان حالهم يقول: “وكأني مديون للعذاب”.. التحقيق التالي يناقش ظاهرة عمالة الأطفال مع بعض الخبراء**

قانون الطفل

رئيس المنظمة الوطنية لحماية الأطفال السفير والخبير القانوني د.(علي يوسف أحمد الشريف)، تحدث لـ(الحراك) حول هذه القضية المزعجة:

“للأسف الأوضاع الاقتصادية تحتم عمل الأطفال، ومؤكد عمالة الأطفال تحرم الأطفال من حق التعليم وتعرضهم لمخاطر صحية واستغلال جسدي.. وقانون الطفل لعام 2010م وفقا للمواثيق الدولية منع عمل الأطفال حتى عمر (18) سنة حتى لا يحرموا من التعليم.. وعمالة الأطفال في السودان ظهرت في الآونة الأخيرة بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وهناك جهات تستخدم الاطفال بمقابل أجر مادي ضعيف، والنوع الثاني هناك أطفال يذهبون للعمل بأنفسهم للحصول على مكسب مادي من أجل قوت يومهم سواء غسيل عربات أو بيع مناديل أو مياه، بخلاف الاطفال الذين يعملون في المنازل..وقد لايتغير هذا الوضع الا بتحسن الوضع اقتصادياً، والمنظمة تسعى لحماية الأطفال من المخاطر التي تواجههم ومنع الأعمال التي تعرضهم للخطر”.

ويقول البروف (السر أحمد سليمان) الخبير النفسي والتربوي:

“بداية الطفولة هي مرحلة النمؤ والإعداد في كل النواحي النفسية والاجتماعية والجسمية، وإذا كان الدين الإسلامي لايكلف الأطفال في العبادات لايحق لأي جهة أن تبرر عماله الأطفال، وقصة سيدنا يوسف عندما قال إخوته لأبيهم: (إنا له لحفظون)، فهذا يؤكد أن الأطفال مسؤولية الكبار والعمل ليس أمراً هيناً ولا سهلاً به ضغوط نفسية لايتحملها الكبار وأحياناً يلجأون للتدريب، لتحمل ضغوط وإرهاق العمل بالتالي عمالة الأطفال ليس لها مايبررها”.

الدوافع والأسباب

العميد السابق لكلية أمن المجتمع جامعة النيلين والخبير الاجتماعي دكتورة (جميلة الجميعابي) ترى أن عمالة الأطفال هي تشغيل الأطفال دون السن القانوني وفقاً للتعريف المعروف، ولكي نعالج الظاهرة لابد أن نعالج الدوافع والأسباب التي تؤدي إلى وجود العمالة من فقر وانفصال الأبوين قد يؤدي إلى وجود ضحية، ويعمل طفل من أجل إخوانه وأمه،كالأم التي أجبرت ابنها على العمل بسبب عدم التزام طليقها بالنفقة!.. حتى الأطفال الذين يعملون داخل المنزل الطفل غير ملزم بالقيام بالأعمال المنزلية، ولكن يمكن أن يساعد بما يتناسب مع عمره.. وتقول:

“عماله الأطفال تعرض الكثير من الأطفال للعنف والاستغلال وأخطر أنواع العمالة استخدام الأطفال في الحروب والنزاعات والمخدرات.. والمسؤولية اجتماعية تقع على عاتقنا جميعاً من هنا نناشد الجهات المعنية والمجتمع والمنظمات التي تعمل في حقوق الطفل بالحد من الظاهرة، ونتمنى لأطفالنا طفولة آمنة ومستقرة”.

أما الخبير التربوي، (ياسر أبو آسر) فقال “ظاهرة عمالة الأطفال مرتبطة بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والنفسية السائدة في المجتمع في مرحلة تاريخية معينة، مثلها في ذلك مثل أية ظاهرة اجتماعية أخرى، وتعيش هذه الفئة في ظروف صعبة، ولا تحصل على نصيب عادل من عملية التنمية، لأن هذه العملية لا توجه لإشباع الحاجات الأساسية لتلك الفئة بالقدر الكافي الذي يضمن لها حياة آمنة ومستقرة، ويعود عدم إشباع الحاجات الأساسية أحياناً كثيرة إلى انخفاض مستوى الرعاية المادية والمعنوية والتعليمية التي تحصل عليها فئة الأطفال العاملين والمتسربين من المدارس، فالأسرة هي المسؤولة الأولى عن إشباع الحاجات الأساسية والثانوية للطفل، وإذا كانت بيئة هذه الأسرة مضطربة لا تؤمن مستوى من العلاقات الطبيعية بين الوالدين والطفل، فإن ذلك سيؤدي إلى شعور هذا الطفل بعدم الأمان والمودة والتقبل في هذه الأسرة مما يدفعه إلى الخروج خارج نطاق الأسرة وجدران البيت، الأمر الذي يدفع الطفل إلى الاعتقاد أن قيامه بعمل ما مهما كان حتى لو كان هذا العمل غير مناسب، أحد المصادر السهلة التي ستؤمن له ما يريد..وعمالة الأطفال فيها رفاق السوء وانعدام المبادئ والقيم الإنسانية التي يحتاج إليها كل طفل، ليحملها بين أضلعه في حياته ومعاملاته مع أقرانه، ومن هذه الأعمال العمل في الشارع بحثاً عن جماعة الأقران التي تعد الوسط الضروري للتخلص من مشاعر القلق التي يعانيها بسبب وضعه المتأرجح بين البحث عن الهوية وتكوين شخصية مستقلة ومندمجة في عالم الكبار، وبين الاعتماد على الأهل ورغبته بالاستقلال عنهما.. إن هذه الصورة توحي إلى أن علاقات الطفل الاجتماعية مع الآخرين غير مرضية، أو أنه بحالة اجتماعية غير سليمة”.

مشكلات التعليم

ولكن ما هي العوامل والأسباب التي تجعل الأطفال الصغار دون سن الثامنة عشرة الولوج لسوق العمل؟.. حسب الخبراء، فإنها تنحصر في المقام الأول في العوامل التعليمية، حيث تشير البيانات والدراسات التي تناولت العوامل المؤدية إلى عمل الأطفال إلى حقيقة مؤداها وجود صلة مباشرة بين عمالة الأطفال ومشكلات التعليم الأساسي، كما تشير من جانب آخر إلى ارتباط العوامل التعليمية بانخفاض المستوى الاقتصادي للأسرة.. فقد أثبتت الدراسات أن الغالبية العظمى ممن لم يستوعبهم التعليم هم من أسر متدنية اقتصادياً لذلك كان الملجأ الوحيد لهؤلاء الأطفال هو الانخراط في حقل العمل منذ مرحلة عمرية مبكرة لا يسمح بها القانون.. فقد أثر الفهم التربوي لأهمية التعليم لبعض الأسر التي تعاني من انخفاض الدخل على قدرة رب الأسرة الفقيرة على تعليم أبنائه، إذ أدى ارتفاع تكلفة المعيشة وانخفاض الأجور بالقيمة الحقيقية لها في معظم القطاعات بالإضافة إلى وجود نسبة من أرباب تلك الأسر خارج قوة العمل أدت إلى زيادة الأفراد المعولين، وشكلت بالتالي عبئاً على الأفراد القائمين بالإعالة مما أدى إلى إضعاف القدرة الاقتصادية لرب الأسرة وأثر بالتالي على قدرته على تدبير الاحتياطات الضرورية للأسرة. وكان التعليم أحد هذه الاحتياجات المهمة التي تمت التضحية بها مما جعل الكثير من الأسر الأكثر فقراً راضية أو مرغمة من إلحاق أبنائهم بالتعليم خاصة بعد أن تحول التعليم من تعليم بالمجان إلى تعليم بمصروفات ظاهرة أحياناً ومستترة أحياناً أخرى.. وفي زيادة عدد الأبناء التي تختص بها الأسر المتدنية اقتصادياً على وجه الخصوص.. وفي ضوء انخفاض الدخل توضع أولويات قد لا يكون التعليم من بينها، فالفشل الدراسي لا يشمل العوامل التعليمية المؤدية إلى عمل الأطفال ولكنه يشترك مع عوامل تعليمية أخرى، كالتسرب المدرسي الناشئ عن ارتفاع كلفة التعليم وتقليدية مناهجه وقصوره عن تدريب من يريد الالتحاق بعمل سريع، كمراكز التدريب المهني التي تعلم الطفل مهنة وحرفة تجعله قادراً على الكسب بعد بلوغه الثامنة عشرة على الأقل.

رأي قانوني

الأستاذ (عبدالسلام صابون يوسف) المحامي، يتناول الظاهرة من المنظور القانوني، موضحاً:

“عمالة الأطفال هي أعمال تضع عبئاً ثقيلاً على الأطفال وتعرض حياتهم للخطر، ويوجد في ذلك انتهاك للقانون الدولي والتشريعات الوطنية، فهي إما تحرم الأطفال من التعليم أو تتطلب منهم تحمل العبء المزدوج المتمثل في الدراسة والعمل..ومن المعلوم أن عمالة الأطفال فعل مجرم بموجب القوانين والمواثيق الدولية لأنه يحرم الأطفال من طفولتهم، ويعيق قدرتهم على الذهاب إلى المدرسة، ويؤثر تأثيرًا ضارًّا عقليًا أو جسديًا أو اجتماعيًا أو معنويًا، فاستغلالهم للعمل محظور بموجب تشريعات وقوانين جميع أنحاء العالم

ومع ذلك يجب علينا أن نعرف من هو الطفل، والذي عرفته المادة (4) من قانون الطفل لسنة 2010م: “هو كل شخص لم يتجاوز سن الثامنة عشر”..

كذلك عرفته المادة (2) من الميثاق الأفريقي لحقوق ورفاهية الطفل 1990م: “كل إنسان تحت سن الثامنة عشرة”.

وانتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة استغلال الأطفال ويتم تشغيلهم في مواقع تضر بهم جسدياً وبدنياً مما يؤثر في النمو البدني، وهذا يعد محظوراً بموجب القوانين والتشريعات ومنها المادة (15) من الميثاق الأفريقي لحقوق ورفاهية الطفل لسنة 1990م، وأيضاً العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وغيرها من المعاهدات والمواثيق الدولية .

مع ذلك المشرع السوداني حدد سناً معينة لعمل الأطفال حيث لا يجوز تشغيل الأطفال دون سن الرابعة عشر وفقاً لنص المادة (36) من قانون الطفل لسنة 2010م، مع ذلك لا يجوز تشغيلهم في الأماكن الخطرة التي تضر بصحتهم الجسمانية: (كحمل الأثقال – أعمال الفيزيائيات البخارية – أعمال أفران الحديد والسبائك – والأعمال التي تحت باطن الأرض أو أعمال المناجم والمحاجر)، وذلك وفقاً لنص المادة (21) من قانون العمل لسنة 1997م..

برغم ذلك انتشرت ظاهرة استغلال الأطفال وهنا المسؤولية تكمن في تقصير الدولة، قد تجد أطفال يعملون في هيئات النظافة وهي للأسف هيئة حكومية كما حدث للطفل في سوق بحري.. وعلينا تفعيل دور القانون بالضغط على الدولة من أجل حماية وصون حقوق الأطفال بما يتماشى مع المعاهدات والمواثيق الدولية، الموقعة عليها حكومة السودان عبر منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الأطفال”.

تحقيق ـ أفكار جبريل
صحيفة الحراك السياسي

Exit mobile version