هل تسهل “الاعتصامات” الوصول إلى حكم مدني في السودان؟

شهدت العاصمة السودانية المثلثة (الخرطوم، الخرطوم بحري، وأم درمان) منذ الجمعة، ثلاثة اعتصامات جماهيرية أعلنت عنها تنسيقيات لجان المقاومة، التي تقود الحراك احتجاجاً على العنف المفرط الذي مارسته القوات الأمنية ضد المتظاهرين، الذين خرجوا للمشاركة في مليونية 30 يونيو (حزيران)، وراح ضحيته تسعة قتلى وعشرات الإصابات. وذلك على غرار اعتصام القيادة العامة للجيش (الشهير)، الذي تم فضه في الثالث من يونيو 2019 بوحشية لم يشهدها السودان على مر تاريخه، كوسيلة ضغط للإطاحة بالحكم العسكري برئاسة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، كما أطيح من قبله الرئيس السابق عمر البشير في 11 أبريل (نيسان) 2019 بالوسيلة ذاتها.

لكن، ما جدوى هذه الآلية (الاعتصام) للوصول إلى الحكم المدني الذي ينشده معظم الشارع السوداني وقواه السياسية، في ظل الظروف والمعطيات الماثلة؟ خصوصاً من ناحية العنف المفرط الذي تتبعه أجهزة الأمن السودانية تجاه أي وسيلة انتفاضة تهدد السلطة الحاكمة في البلاد؟

ثلاث وسائل

يوضح مساعد رئيس “حزب الأمة القومي السوداني” للشؤون الولائية، عبد الجليل الباشا، أن “هناك ثلاث وسائل تعمل قوى الانتفاضة على استخدامها خلال هذه الفترة، وهي الحراك الجماهيري متمثلاً في المواكب والوقفات الاحتجاجية والاعتصامات والإضرابات والعصيان المدني وغيرها، وهناك وسيلة الضغط الدولي والإقليمي، ثم العملية السياسية التي تؤدي في نهاية المطاف إلى إنهاء الانقلاب، وكلها أدوات تراكمية متكاملة. لكن بعد العملية الوحشية التي صاحبت مليونية 30 يونيو، وراح ضحيتها تسعة متظاهرين سلميين قتلوا بواسطة الرصاص الحي، فضلاً عن عشرات الجرحى والمعتقلين، أصبح خيار الضغط الجماهيري هو الصوت المرتفع، حيث إن الشارع قال كلمته في هذا الشأن واتجه تلقائياً إلى الاعتصام وصولاً إلى العصيان المدني”.

وأضاف “في تقديري، لا خيار للمكون العسكري غير الانصياع لرغبة الشارع بتسليم السلطة للمدنيين. فالشارع لن يتراجع عن هذا المطلب مهما كلف من ثمن، ولا أعتقد أن العملية السياسية ستكون مجدية في ظل المناخ الحالي، إذ إن المشهد السياسي تعقد بشكل كبير بسبب العنف المفرط الذي مارسته الأجهزة الأمنية ضد المتظاهرين في مليونية الخميس، بالتالي أصبحت الأولوية لخيار الشارع، ولن يكون هناك أي توجه لتسوية سياسية. فالتركيز الآن على الاعتصام الذي انتظم في مدن العاصمة المثلثة، وهو من الأدوات الناجعة التي جربها الشارع السوداني (اعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة) وخلقت زخماً كبيراً أقلق العسكر، ما دفعهم إلى فضه بالقوة كأكبر جريمة ارتكبت في تاريخ السودان القديم والحديث”.

الاحتكام لصوت العقل

وتابع الباشا، “المجتمع الدولي يمارس ضغطاً في اتجاه إدانة العنف الوحشي وغير المبرر. ومتوقع أن يقوم بمزيد من الضغط لإجبار العسكر على تقديم تنازلات تؤدي إلى عودة المسار الديمقراطي المدني، وإكمال الفترة الانتقالية بكل سلاسة وصولاً إلى الانتخابات العامة. وأعتقد أنه في ظل الغضب الجماهيري، لا صوت يعلو فوق صوت حراك الشارع الذي يشكل ضغطاً حقيقياً، سيؤدي بلا شك إلى تحقيق حلم المواطن السوداني بابتعاد الجيش من المشهد السياسي نهائياً”.

وأكد، مساعد رئيس “حزب الأمة القومي”، أنه مهما كانت قوة الإجراءات الأمنية، فهناك خياران لا ثالث لهما، الأول أن يستمر العسكر في السلطة باتباع مزيد من العنف ضد المتظاهرين غير آبهين بمستقبل البلاد، والثاني أن يحتكم هؤلاء العسكر إلى صوت العقل والحكمة بالابتعاد عن المسرح السياسي. لكن عموماً، الحراك الجماهيري سلاح مجرب عبر مراحل تاريخ السودان، وذلك في أكتوبر (تشرين الأول) 1964، وأبريل 1985، وأبريل 2019، حين انحاز الجيش للشعب، ومهما كانت الظروف فإن إرادة الجماهير هي الغالبة.

ضغط وتمدد

الناشطة في لجان المقاومة والأجسام الشبابية السودانية، سوسن جمعة موسى، تقول “بالتأكيد، إن الاعتصامات تمثل ضغطاً كبيراً على الحكومة العسكرية، خصوصاً أنها انتظمت في ثلاث مدن رئيسة، وبلا شك إذا ما استمرت لفترة قصيرة ستسقط هذه الحكومة طالما لم تستمع إلى رأي غالبية الشارع السوداني، في وقت تشهد هذه الاعتصامات تمدداً غير مسبوق إيماناً من المواطنين بأنه لا بديل غيرها لحسم هذا الأمر، وصولاً إلى الحكم المدني وعودة الجيش إلى ثكناته”.

هل تعيد تظاهرات 30 يونيو وحدة قوى الثورة السودانية؟
وزادت “هناك أيضاً آليات ووسائل أخرى سيتم استخدامها في الوقت المناسب، وتصب جميعها في الهدف نفسه. لم يعد الأمر كما كان في السابق، فكل القطاعات تلعب دوراً تكاملياً في هذه المرحلة الحاسمة، فإضافة إلى لجان المقاومة، نجد النقابات مثالاً تمارس ضغطاً في جانب آخر، وكذلك الأحزاب السياسية، وغيرها من المجموعات المناهضة لانقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول)، لكن التركيز الأكبر حالياً على سلاح الاعتصام، فيما تتجه الترتيبات السياسية نحو إنهاء أعمال المواثيق، وتشكيل المجالس والمحليات لتكون جاهزة وقت الصفر، بإعلان الحكومة والمجلس التشريعي من خلال البرلمان، وهذا ما يميز هذه الفترة التي أصبح فيها الشارع أكثر استعداداً عما مضى”.

تماسك ووحدة

ومضت موسى قائلة “الآن الشارع السوداني موحد وأكثر قوة ونشاطاً وتماسكاً من الفترات السابقة، وأكثر عزيمة وإرادة بأن تعود البلاد إلى المبدأ المؤسساتي، وأن يتجه الجيش إلى مكانه الطبيعي بحماية الحدود والأمن القومي، والأحزاب إلى الترتيب للانتخابات، ولن تكون هناك خطوة إلى الوراء مهما كلف الأمر. فالشراكة بين المدنيين والعسكريين أثبتت فشلها، بالتالي لا بديل غير تصحيح الوضع من خلال حكومة مدنية بالكامل تعطي كل ذي حق حقه، بمعنى أن يكون القانون هو الحكم والفيصل بين الجميع”.

ولفتت الناشطة في لجان المقاومة والأجسام الشبابية، إلى أنهم يريدون أن يكون حراك ديسمبر (كانون الأول) “انتفاضة حقيقية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، من حيث النظم والمفاهيم وغيرها، وأن تكون الدولة السودانية دولة مواطنة وقانون، وأن لا يكون هناك تمييز وفقر وقتل، وهذه هي مساعينا الحقيقية التي نسعى لتحقيقها وهي مطالب مشروعة. صحيح أنها ستأخذ وقتاً، لكن في النهاية سيصل المواطن إلى مبتغاه، ولن يكون هناك تراجع بعد مقتل 114 من خيرة الشباب، الذين قدموا أرواحهم مهراً وفداءً حتى تتمتع البلاد بالحرية والديمقراطية”.

رد العسكر

في المقابل، قال الرائد معاش حسن محمود، إن “القوى المدنية بكامل طيفها وألوانها أمام مرحلة اختبار حقيقي حول كيفية توافقها من أجل مصلحة الوطن، الذي يتطلب مزيداً من التنازلات وقدراً من المسؤولية”.

ونوه إلى أن الكرة الآن في ملعبهم ليظهروا جديتهم في اغتنام الفرصة المتاحة لهم، من خلال مواصلة الحوار في ما بينهم وصولاً لتشكيل حكومة مدنية من الكفاءات الوطنية المستقلة، مبيناً أن حق التظاهر والاعتصام وكل أشكال التعبير السلمي متاحة للجميع، لكن يبقى ما هي الأدوات والوسائل الحقيقية والفعالة لإنهاء هذه الأزمة بسلاسة ووطنية؟

وأكد أن “التلكؤ في سرعة حسم هذا الأمر سيتيح الفرصة لعودة الإخوان المسلمين من جديد إلى السلطة، بالتالي لا بد من توصل المكونات المدنية مجتمعة إلى اتفاق ولو بالحد الأدنى حتى لا نرجع إلى المربع الأول”.

حزن بسبب الانتهاكات

وما زال الحزن يخيم على قطاع عريض من الشعب السوداني نتيجة عمليات العنف المفرط والانتهاكات الصارخة، التي صاحبت مليونية 30 يونيو، التي شاركت فيها حشود كبيرة من جميع أنحاء البلاد للمطالبة بإنهاء الحكم العسكري.

وظل حراك الشارع السوداني لمقاومة الانقلاب الذي نفذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، مستمراً بقيادة “لجان المقاومة”، منذ 25 أكتوبر 2021 من دون توقف، تحت شعار اللاءات الثلاث “لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية مع العسكر”. وتنوعت أشكال مقاومة الانقلاب ما بين المواكب السلمية والعصيان المدني والإضراب عن العمل، والوقفات الاحتجاجية.

وبحسب لجنة أطباء السودان المركزية، لقي حتى الآن منذ وقوع الانقلاب 114 متظاهراً مصرعهم، وأصيب أكثر من 5 آلاف متظاهر بإصابات متفاوتة بين خطرة ومتوسطة وبسيطة، وذلك نتيجة العنف المفرط الذي استخدمته الأجهزة الأمنية بموجب قانون الطوارئ، الذي أتاح لها ممارسة العنف بكل صوره ضد الناشطين ومَن يشارك في التظاهرات والمواكب السلمية، من دون مساءلة، مهما وقع من جرم وأذى.

إسماعيل محمد علي
إندبندنت عربية

Exit mobile version