تساؤلات حول صمت «الدعم السريع» إزاء مقتل الجنود السودانيين

أثار مقتل الجنود السودانيين في إثيوبيا غضبا شعبيا واسعا، وشنت الحكومة السودانية والجيش على أثره حملة إعلامية كبيرة منددة بالجريمة، وتضامنت معها جهات عديدة، بينها قوى المعارضة الرئيسية التي تعمل على إسقاط الحكم العسكري، بينما صمتت قوات الدعم السريع، بقيادة نائب رئيس مجلس السيادة الفريق، محمد حمدان دقلو (حميدتي) وهي قوات رسمية تتبع لقيادة الجيش، عن الإدلاء بأي تصريحات داعمة، وهو ما أرجعه محللون إلى تباين في المواقف السياسية من الملف بين قائد الجيش وقائد الدعم السريع.

وصمت قائد قوات الدعم السريع الجنرال حميدتي، معتصماً بدارفور، عن التعليق على الحادثة ولم تصدر عنه أي ردة فعل، برغم أنه ظل يردد دوماً أن الدعم السريع «ظهير» للجيش، بل وقوة تابعة له، وذلك رغم مرور نحو أربعة أيام على الكشف عن الجريمة، وبرغم تسرب تقارير عن معارك تدور بين الجيش وقوات إثيوبية قرب الحدود.

وخلف صمت حميدتي وحلفاء العسكر من الحركات المسلحة الموقعة اتفاق سلام جوبا والمشاركة في الحكومة العسكرية، ومن بينها «حركة تحرير السودان – مني أركو مناوي، وحركات أخرى صغيرة»، علامات استفهام كبيرة ظلت دون إجابة رسمية، ما أثار الشكوك حول ما إن كان صف الانقلاب منقسم على الوضع في شرق البلاد!

ولا يعد صمت «حميدتي» بشأن مقتل الجنود السودانيين هو الأول، فقد صمت عن العمليات العسكرية التي دارت بين الجيش السوداني والجيش الإثيوبي التي دارت في ديسمبر (كانون الأول) 2020 والتي استرد بها معظم أراضي الفشقة السودانية، ولم تشارك قوات الدعم في تلك العمليات، ما أثار أيضا دهشة الجميع وقتها. ولم يكتف الجنرال حميدتي بالصمت، بل وبرغم التوتر بين إثيوبيا والسودان الشبيه بحالة حرب وقتها، سجل زيارة أثارت موجة من الجدل إلى إثيوبيا، واستقبله فيها رئيس الوزراء آبي أحمد بحفاوة بالغة، ونظم له زيارات لعدد من المؤسسات الإثيوبية الحيوية.

ومنذ نحو عشرة أيام، غادر «حميدتي» إلى إقليم دارفور ترافقه قوة حراسة كبيرة، زاعماً أنه ذاهب إلى الإقليم لإيجاد حل للنزاعات الأهلية التي تدور فيه، وأعلن صراحة أنه سيبقى لنحو ثلاثة أشهر وقال: «لن نرجع للخرطوم حتى نجد حلا للمشكلات القبلية»، برغم تأكيده على أهمية وجوده في الخرطوم.

ومن دارفور أرسل حميدتي رسائل «ملغمة» تشير إلى جهات في المركز تقف وراء ما يحدث في إقليم دارفور من اضطراب وعمليات قتل، بقوله حسب نشرة صادرة عن مكتبه الإعلامي الاثنين الماضي: «ما يحدث في دارفور، تديره نفس الغرف، التي تعبث بالمشهد في الخرطوم». وقبل سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير كانت أصابع الاتهام تشير إلى أجهزة الأمن والجيش بالضلوع في أحداث دارفور، وهو قول أكده البشير في «اعترافات» معلنة نقلتها أجهزة الإعلام، ما يجعل من اتهام حميدتي الجديد للخرطوم قريبا من الأجهزة الأمنية والعسكرية، أكثر من القوى المدنية.

وقال المحلل السياسي الجميل الفاضل لـ«الشرق الأوسط» تفسيراً لموقف الرجل، إن الموقف السياسي لحميدتي ظل منذ وقت طويل مثيراً لعلامات الاستفهام، وزاده تعقيدا بزيارته لأديس أبابا والحفاوة الكبيرة التي استقبله بها «آبي أحمد»، في ظل توتر العلاقات بين الخرطوم وأديس أبابا والتي كانت تشهد «حالة عدائيات، أو حالة حرب»، وإن تلك الزيارة كانت تناقض الموقف الرسمي للحكومة السودانية.

وأوضح الفاضل أن الجيش السوداني استعان في مرات سابقة بقوات الدعم السريع في كثير من العمليات، التي كانت تقوم بأدوار مهمة في إسناد قوات، لكنها لم تشارك في معارك الفشقة بين الخرطوم وأديس أبابا، وأضاف «من الواضح أن حميدتي نأى بنفسه عن توتر ملف العلاقات السودانية الإثيوبية». ووصف الفاضل موقف حميدتي من الملف الإثيوبي بـ«المخالف لموقف القائد العام للجيش»، وقال: «من الواضح أن رؤيته تختلف عن رؤية قائد الجيش للملف الإثيوبي»، وأرجع تباين المواقف بين الرجلين إلى طبيعة العلاقات التي تجمعه مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بموسكو. ورجح الجميل أن يكون موقف حميدتي المرتبط بحلفه مع إثيوبيا وروسيا، فرض عليه – على الأقل – النأي بنفسه عن الفعل والقول بشأن النزاع، فآثر الصمت لوجوده في مقعد الرجل الثاني في الدولة، حتى لا يخسر شركاءه في الحكم.

ولم يكتف بالصمت من بين شركاء حكومة الأمر الواقع «حميدتي» وحده، فلم تنقل وسائط النقل كافة بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي تصريحات عن حاكم إقليم دارفور وقائد حركة تحرير السودان «مني أركو مناوي»، يعلن فيها دعمه الجيش في معركته، واحتمى هو الآخر بالصمت، برغم الضجيج الذي اعتاد على إثارته على منصاته في الوسائط وعلى وسائل الإعلام بشأن كل «كبيرة أو صغيرة»، إلى جانب عدد من الحركات المسلحة الأخرى الصغيرة.

الخرطوم: أحمد يونس
الشرق الأوسط

Exit mobile version