تعذيب المعتقلين في الشوارع .. (الفُسحَة)

إصابة عضو لجان مقاومة بالشلل جراء تعرضه للتعذيب داخل "تاتشر" عقب اعتقاله

* إصابة عضو لجان مقاومة بالشلل جراء تعرضه للتعذيب داخل “تاتشر” عقب اعتقاله
* معتقل سابق: تعرضتُ للتعذيب لـ(6) ساعات متتالية وأعاني من اضطرابات نفسية
* محامو الطوارئ: القوات الأمنية تنهب هواتف المعتقلين أثناء الاعتقال وبعضهم نجدهم “حفايا” داخل الأقسام الشرطية

منذ الساعة الثانية منتصف الليل وحتى السابعة صباحًا تتجول قوة أمنية مُلثمة ومدججة بالسلاح تقود عربة “تاتشر” على متنها المهندس أزهري الشيخ في شوارع وأزقة العاصمة المثلثة. عملت القوة عقب اعتقاله على عصب عينيه وزجه داخل السيارة ومن ثم انهالت عليه بالشتائم الخادشة للحياء والضرب بالعصي والخراطيش على الرأس مباشرة والسلسلة الفقرية. عرف “الشيخ” فيما بعد أن القوات الأمنية تُطلق على ساعات التعذيب العصيبة داخل عربة “التاتشر” المتجولة والتي عانى من آثارها جسديًا ونفسيًا لاحقًا، (الفسحة).

*مداهمة واعتقال
يقطن الشاب أزهري الشيخ البالغ من العمر 30 عامًا في منطقة الفتيحاب بمدينة أم درمان ويعمل مهندسًا زراعيًا في واحدة من الشركات الهامة وعُرف برفضه القاطع لإنقلاب الـ25 من أكتوبر الماضي.الثانية منتصف الليل داهمت قوة أمنية مكونة من ( 8 ) سيارات مليئة بأفراد يرتدي بعضهم الزيّ المدني جميعهم ملثمين منزل الأسرة وهي تغط في نوم عميق. يقول “الشيخ” في حديثه لـ(الجريدة):” تسور بعضهم جدران المنزل الخارجية واقتحموه وظلت مجموعة في الخارج”.
– سألتهم من أنتم؟ فقالوا: قوة مشتركة مكونة بقرار سيادي.
– وماذا تريدون ، فقالوا : اعتقالك –
– بأمر من : قالوا : لحدي هنا ما تسأل تاني.

أقتحم أفراد من المجموعة غُرفة نومه واستولت على مقتنيات شخصية (هواتف نقالة ، جهاز لابتوب ، وأوراق عمل) ثم أمرته بالتحرك معهم غير آبهة بتوسل والديه وفزعهم . يقول الشيخ لـ(الجريدة) : أن تتم مُداهمة منزلك وغرفة نومك بهذه الطريقة دون أيّ مراعاة للخصوصية وتعمد ذرع الخوف والهلع بين أفراد الأسرة أمر قاسي وفظيع. وتابع “استيقظ الحي بأكمله وتساءل الجميع عن العدد الضخم المكون من 20 فرداً يتبعون لجهاز الامن والشرطة ..الخ ـ كل هؤلاء لاعتقال شخص واحد فقط“.

*تعذيب في شوارع العاصمة
منذ اقتياده من منزله الثانية صباحًا وحتى الساعة السابعة صباحًا ظلت القوة الأمنية تتجول بِه وبمعية معتقلين آخرين في شوارع وأزقة العاصمة الخرطوم المظلمة، حيث عاشوا لحظات عصيبة تخللها الضرب المبرح المركز على مناطق بعينها كـ(الرأس والسلسلة الفقرية)، مستخدمين (العصي ، الخراطيش ، اطراف أحذيتهم (البوت ) مصحوبُا بالشتائم العنصرية والخادشة للحياء. يقول : ” تم عصب عيناي والزج بي داخل العربة حيث كان هٌناك معتقلين آخرين من نفس المنطقة، تم اعتقالهم بنفس الطريقة وبدأت سلسلة من التعذيب حتى فقد بعض المعتقلين الوعي،عرفت فيما بعد أنهم يسمونها بـ(الفسحة)”. عدد كبير من المعتقلين تم تعذيبهم لساعات طويلة والتجوال بهم في الشوارع من لحظة اعتقالهم وقبل تسليمهم للجهة المنفذة للاعتقال أو السجون،ويرى “الشيخ” أن (الفسحة) تكشف لحدٍ بعيد مدى الغبن الذي تكنه السلطة الحاكمة للمتظاهرين وهو استحداث لاساليب التعذيب المختلفة التي تعرض لها الرافضون للانقلاب العسكري منذ 25 اكتوبر . مشيرًا إلى أن كافة المعتقلين معه تم اعتقالهم بناء على معلومات أدلى بها مخبرون في الأحياء التي يقطنون فيها.

*اصابة جسيمة
في طريقه إلى إحياء مواكب الـ(6) من أبريل الماضي ـ اعترضت قوة أمنية طريق عضو لجان المقاومة (ن ـ م ) وأجبرته على الترجل من سيارته واقتادته معصوب العينين إلى جهة لم تكن معلومة لديه سابقًا . كشف لـ(الجريدة) عن معاناته من مايُعرف بـ(الفسحة) حيث تعرض لتعذيب وحشي على متن عربة “التاتشر” من قبل القوة المنفذة للاعتقال تسبب لاحقًا في اصابته بمشاكل في السلسلة الفقرية ومنطقة الركبة استجوب خضوعه لعملية جراحية مستعجلة وسط مخاوف من عدم مقدرته على الحركة بصورة طبيعية مجدداً، يقول لـ(الجريدة) : ” منذ اجباري على الترجل من السيارة علمتُ أنه ليس مجرد اعتقال عشوائي ماحدث كان مخططًا له ويبدو أني كنتُ مرصوداً بالفعل ، بدا ذلك واضحًا وانا على متن السيارة التي تجولت في شوارع مدينة أم درمات لساعات دون أي أسباب واضحة سوى اطالة أمد ما نتعرض له من تعذيب ،فقد كانوا على دراية بإسمي ويتم توجيه الضرب إلي مباشرةً مصحوبًا بكلمات غير اللائقة والمقصودة بغرض الهزيمة النفسية”.تكونت القوة المنفذة للاعتقال من (6) أفراد مسلحين وملثمين ، في الطريق إلى مقر خاص بالتحقيقات داخل مقر القيادة العامة للقوات المسلحة ، تعرض (ن ، م ) للضرب المباشر على الظهر بواسطة اعقاب السلاح والأحذية . يقول : كانوا يطلبون منا عدم الحركة ونحن مزجين على مساحة ضيقة داخل السيارة على البطن ، لم أكن اتحرك ، سخونة السيارة كانت تأكل صدري تمامًا ، ما يجيرني على التململ ومحاولة التنفس ، ومع ذلك في كل مرة أحاول جاهدا التنفس ، يتم ضربي بقوة“.

*تجارب قاسية
رغم تعرضه للاعتقال عُدة مرات واحتجازه لـ(20) يوماً في سجن سوبا، إلا أنه يصر على أن ما واجهه أثناء اعتقاله ومايعرف بـ(الفسحة) تجربة قاسية لا تزال راسخة في ذهنه وتسببت له لاحقًا بإضطرابات نفسية لا يزال يتعالج منها. يقول الطبيب أنور في حديثه لـ(الجريدة) قوة أمنية ملثمة استباحت منزلي الثالثة صباحًا وزرعت موجة من الخوف في نفوس صغاري وزوجتي ووالداي اللذان تركتهما وهما ملقيان على الأرض. على الفور ودون توضيح أسباب الاعتقال أو الجهة المنفذة له أو التهمة الموجهة لي ، تم الزج بِي بطريقة مهينة داخل السيارة فإصطدم رأسي بحافتها مسببًا لي ألم في الرأس وصداع مستمر عانيت منه لأيام داخل المعتقل.يقول د.أنور على الرغم من علمي بشوارع مدينة أم درمان التي ولدتُ ونشأتُ فيها إلا أننا ذلك اليوم لم اتمكن من معرفة أين نحن ، عيناي معصوبتان،وألم في منصف الرأس كاد أن يفتك بي ، وضرب ممتالي لا ينقطع بالأرجل والعصي ,صراخ المعتقلين من صغار السن ، كل ذلك لا يمكن نسيانه أبداً، استمع د.أنور داخل معتقله بسجن سوبا لاحقًا لروايات عدد من المعتقلين تعرضوا لانتهاكات وتعذيب وحشي داخل عربة “التاتشر” المنفذة للاعتقال قبل تسليمهم للاقسام الشرطية، امتد لساعات ، وخلف فيما بعض عدد من المضاعفات للمعتقلين منها الاصابات في السلسلة الفقرية ، منطقة الركبة ، الرأس ، الاضطرابات النفسية.

*اعتقال أم اختطاف
في حديثها لـ(الجريدة) تقول عضو لجنة محامو الطوارئ اشراقة عثمان إن القوات الأمنية تعمل على اذلال المعتقلين وتجريدهم من حقوقهم كاملة بداية من معرفة أسباب الاعتقال وما اذا كانت هناك تهما بعينها موجهة إليهم مرورا بنهب مقتنياتهم . وتضيف : ” نجدهم في الاقسام الشرطية مجردين حتى من أحذيتهم (حفايا) وأثار الضرب واضحة في أجسادهم.مشيرة إلى أن ما يتم للمتظاهرين في الشوارع والفاعلين في الحراك الثوري ليس اعتقالاً وانما اختطاف حيث يتم اعتراضهم في الشوارع والميادين العامة وأخذهم عنوة أو مداهمة منازلهم وترويع ذويهم واقتيادهم معصوبي الأعين والتجوال بهم في الشوارع مصحوبا بالضرب الوحشي والتعذيب ثم تسليمهم للاقسام الشرطية لتبدأ مرحلة أخرى من المعاناة.

تحقيقات : سلمى عبدالعزيز
صحيفة الجريدة

Exit mobile version