أنور محمدين
في شارع الستين الرئيس القريب دخلت بنك فيصل حيث استفسرت من الموظف طريقة تحويل مبلغ لحساب شخص في بنك الخرطوم فبدا لي أن الكيفية معقدة نوعا فوصف لي فرع بنك الخرطوم قبالتهم.
كان ذاك الفرع باهتة لافتته غير براقة كما توقعت لذا لم أستبنها إلا بعد عبور الشارع تجاهه وكان مكتظا بالعملاء فسألت موظفات الاستقبال عن الخطوات الواجب اتخاذها فأرشدتني إحداهن لتربيزة أختار منها استبانة أتولى تعبئتها فإذا بالاستبانات متراكبة متزاحمة وكل عميل يحاول العثور على ما يليه بدل تصنيفها وعنونتها في مصفوفة مرتبة.
بعد جهد وجدت ضالتي وتوليت تعبئتها ثم وجدت لي مقعدا أرتاح فيه حتى يحين رقمي المتسلسل 60
جلت ببصري في الزحام ولاحظت موظفا واحدا يرتدي كمامة لا غير.
طالبة طب أنيقة بأبرول أبيض تقف أمام الصفوف مستأذنة:
لو سمحتم أتجاوز الدور عشان أحصل المحاضرات ..
بطيبة السودانيين لم يعترض أحد.
حل دوري بعدها فأجريت اللازم ومضيت لأجد في الطريق ويا لجمال المصادفة أخي الأستاذ الكبير بكري سري فكان العناق بلهفة الشوق وكل علائقنا الرحمية والعشرية والزمالية الوطيدة.
قال إنه لم يعرفني أول وهلة لأن لوني اكتسى بياضا عما قبل فقلت إنه ناتج من برودة البلاد البعيدة التي نقضي فيها وقتا معتبرا كل عام.
سألت عن ولده الحبيب طلال فأسعدني ما سمعت أنه بات رجل أعمال ناجحا فحكيت له شهامته وكيف أنه ” دك ” المحاضرات يومين خلال زيارتي لهم في مدراس بالهند وكيف أنه كان يسارع بدفع رسوم دخول المزارات السياحية رغم رجاءاتي.
بعده قادني من يدي وأراني معالم قريبة من بيتهم الذي وصفه لي وبالمثل أرشدته لمنزلنا واتفقنا على التزاور.
وقال إنه لايزال على صلة بالتعليم وشكا من تراجع المشهد والمعلمين الذين قال إنهم ما ” زي زمان”.
وودعته على أمل لقاء قريب متمهل.
في ضوء شهادة أخي بكري أقول إن هناك مبادرة مبتكرة أثلجت صدري فقد التأم قبل أيام شمل أحبابنا تربويي المضيق بضفتيه في سعدنفنتي لتبادل الخبرات والاستفادة من الرعيل الأول تحت عنوان
مبادرة الأستاذ عبد الخالق محمود .. صديقي العزيز الرقم .. رحمه المتعال
أهنئ أحبابي زملائي على هذا الملتقى الذاتي الشعبي التربوي الفريد على أمل أن تحتذى التجربة الراقية الرائعة.
” تنويرا للبعيدين ” بعد أخذ كيسي خبز بألفي جنيه اليومي شريت دستتين ونصف برتقال ب 3 ٱلاف جنيه وملوة تمر قنديلة بمبلغ مماثل وأنا أحاجج البائع خلال المساومة بأننا أصحاب تمور لكنا بعيدون عن الديار. ولما عرف أنني محسي قال:
ايه ال يجيبك هنا .. عندكم التمور والقراريص والدهب!
قلت له
أحيانا يطير السمك من الماء ويقع على البر ليقضي نحبه .. هذا شأننا فضحك.
في الطريق للبيت طافت بذهني الأمسية الجميلة قبل أيام في البلد حيث زارني الأحباب الحارث وهشام وفرج مشكورين للعزاء.
ولما استوى المجلس للونسة
وجاءت سيرة فكاهات عمنا الأستاذ مصطفى عبد الرزاق وكان مدير مدرستنا بدرجة وظيفية عالية وبراتب مغر سألوني:.
ماذا قال لك عند حضورك للمدرسة بعد تعيينك جديدا؟
فحكيت أنه بظرفه المعهود قال لي:.
يا بني نحن في هذه المدرسة فريقان فاختر مكانك:.
فريق يعمل حساب القروش وديل ناس بكري ومحمد أرو
وفريق اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب
وديل أنا وعلي زبير وعاشة مبروك” عواسة “.
فغرقوا في الضحك!
أنور محمدين
صحيفة التحرير