قمصان يوسف..!
“الشعوب التي تفشل في تشخيص أمراضها بشجاعة تموت نتيجة تناول الدواء الخطأ”.. الصادق النيهوم..!
(1)
المواقف الإنسانية المُحتشدة التي لعب فيها قميص سيدنا ﻳﻮﺳﻒ أدواراً مختلفة – وأحياناً متناقضة – من دليل على كذب الإخوان، إلى دليل على براءة صاحبه، إلى دليل على بقائه على قيد الحياة، وبالتالي كونه سبباً لرد بصر والده الضرير، كل هذه المعاني المُحتشدة تؤكد أن ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺸﺮ ليس ﻓﻲ طبيعة الأشياء، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺍﺳﺘخداﻣﻨﺎ ﻟﻬﺎ. وكذلك فإن الخير والشر ليس في تقاطع العلاقات، وإنما في موقف الأطراف منها..!
(2)
في العام 2014م، سافرت إلى العراق لحضور مؤتمر وكانت “بغداد” وقتها تشهد حوادث تفجيرات يومية متتالية، أحياناً بمعدل انفجارين في اليوم الواحد. ومع ذلك ما زلت أذكر الحضور العالمي الذي شهده ذلك المؤتمر والتنظيم الذي حفَّه والهدوء الذي أحاط بفعالياته. وما زلت أذكر أيضاً مظاهر الحياة الزاخرة في مدينة “بغداد”، وكيف أنّ باعة الكتب والتحف التذكارية كانوا يفرشون بضاعتهم على أرصفة الشوارع بين البنايات الضخمة التي تملؤها أخرام الرصاص. بينما ظَلّت الجامعات السودانية تغلق أبوابها لشهور طويلة بعد انتصار الثورة. لأجل ذلك أقول إن الثورة مفهوم شامل ينبغي أن يتجاوز الأطر السياسية إلى السلبيات والأخطاء والمثالب في كل مناحي الحياة وفي كل أرجاء الوطن الذي قال شعبه كلمته وفعل ما بوسعه بشأن تغيير ما فات. لذا كان لزاماً عليه أن يفعل ما بوسعه أيضاً لتصحيح المسار وتجديد المسيرة نحو ما هو آتٍ..!
(3)
الصحفي والمؤرخ السياسي المصري الراحل “محمد حسنين هيكل” كتب مُعقِّباً على تقرير للمخابرات المصرية بشأن قائد العمليات الإسرائيلية في فلسطين، اقتصر في توصيفه على أنه “فلاح ضخم الجثة”. وعن هذا يقول “هيكل” إن ذلك القائد الإسرائيلي كان مفكراً سياسياً مهماً وكانت له وقتها كتبٌ تملأ الأسواق في أوروبا، وإنه لمن الغريب حقاً أن لا يقول عنه تقرير المخابرات – في بلاده – سوى أنه “فلاح ضخم الجثة”. والحقيقة أن معظم الناس يتأمّلون تفاصيل الحياة من حولهم من زاوية واحدة، وعن هذا الضرب من السلوك الإنساني في كيفية النظر إلى مجريات الأمور يقول الكاتب المصري الراحل “أنيس منصور” إن لكل إنسان جانباً خاصّاً من هذا العالم ينظر منه إلى طبيعة الأشياء، وينظر إليه كلما حاول أن يفهم حقيقة بعينها، وهو في نفس الوقت يجعلنا ننظر إلى ذات الأمر من زاويته هو..!
(4)
في هذه الدنيا لا وجود للإنسان بعيداً عن بعض الزوايا ولا حياة له خارج بعض الأُطر، لكننا قد ننفصل أحياناً عن بعض المواقف في لوحات الحياة فنرقب عن كثب وبعد – في آنٍ معاً – بلادنا تمر بمنعطفٍ زَلِقْ، زواياه خطيرة، وحوافه باترة، والتاريخ يقول إن التطرف في بعض الأفعال وفي كل ردود الفعل لا يخلق شيئاً سوى الفوضى الهدامة حاضراً، والندم العميق مستقبلاً. هذا الوطن بحاجة إلى أن ينظر مواطنوه إلى ما هو أبعد من أرنبات أنوفهم، هذا الوطن بحاجة إلى شعب ينظر إلى صالحه العام من كل الزوايا الممكنة، لا من زاويةٍ واحدة تُضَخِّم حيناً بعض الصور وتُشيح أحياناً عن بعض الحقائق..!
صحيفة الصيحة