نزفتها قبل فترة..
وتظل صالحة للنزف في كل فترة..
ما دام حالنا هو هكذا؛ من لدن ما قبل الاستقلال… وإلى زمان ما بعد الثورة..
ثورة ديسمبر التي اختطفها لصوص الثورات..
وكانت الكلمة الحزينة هذه تحت تأثير حزن أدمى قلبي… فقلمي… فقرحتي..
وجاءت تحت عنوان صباح الخير..
فأي خيرٍ هذا مع واقعٍ هو من صنع أيدينا؟… وتدبير عقولنا؟… ووحي إرادتنا؟..
سيما من تلقاء من يلون أمورنا منا؟..
فكأن الشر هو المكتوب علينا يا ولدي… لا الخير؛ اقتباساً من أغنية قارئة الفنجان..
علماً بأن مثل هذا الكلام لا يصح ديناً..
ولكن لماذا نحن – دوناً عن بقية شعوب دول الدنيا – نتقهقر؟… والعالم يتطور؟..
لماذا لا نشكل حضوراً عالمياً في أي مجال؟..
بل لماذا لا يذكرنا العالم هذا إلا ذكراً مقروناً بمشاكل؟… ومصائب؟… وكوارث؟..
أو بفضائح رياضية ذات دوي؟..
أو بترتيبٍ مخجل في قائمة التصنيفات الدولية – السنوية – حتى في السعادة؟..
ومن أين تأتي السعادة لمن هم حزينون دوماً؟..
وحزنهم هذا لا يلومون فيه إلا أنفسهم؛ فما من عدوٍّ خارجي فرضه عليهم..
فمن يُدمن الفشل لا يمكن أن ينتج..
ومن لا ينتج لا يبني… ولا يؤسس… ولا يتطور… ولا ينافس… ولا يتقدم قيد أنملة..
ونحن لا نتقدم أبداً..
وإنما – في أحسن الفروض – محلك سر؛ أو نظل نلف وندور حول مربط الفشل..
كدوران الشاعر الأحوص حين يقول:
أدور ولولا أرى أم جعفرٍ… بأبياتكم ما درت حيث أدور
ثم نزفت أكثر حين قرأت – لسوء حظي – جانباً مما خطه رحالة غربي في حقنا..
قرأت ما كتبه جون لويس… مع شاي الصباح..
أو بالأصح حين أعدت قراءته؛ وكأني أدور حول أبياتٍ بها أم جعفرٍ للحزن..
أو لمسببات نزف العقل… والقلم… والقرحة..
قال إن السودانيين كسالى؛ يفتقرون إلى الهمة… والحركة… والنشاط… والعزيمة..
ويجيدون فقط الكلام والتنظير… من على العناقريب..
قاله قبل نحو مئتي سنة… عندما زار بلادنا… فالحجاز… من بعد مصر والشام..
وذكر العناقريب هذه بالاسم..
فنحن إلى يومنا هذا نعشق العناقريب هذه… وشقيقاتٍ لها أصغر اسمها البنابر..
أو باختصار نعشق كل ما يعيننا على الكسل..
ونجلس على بنابر بائعات الشاي بالساعات الطوال… نمارس هواية الكلام..
فنحن أكثر شعوب الأرض كلاماً..
وفي تقرير مصور لقناة الجزيرة أن السودانيين هم الأكثر استعمالاً للهواتف المحمولة..
ومن ثم الأكثر كلاماً… ورغياً… وتبديداً للزمن..
ونغضب – في غرابة شديدة – حين يقول عنا العرب الشيء ذاته… ويسخرون..
حين يصفوننا بالكسل… والتنظير..
وما زلنا – إلى اليوم – لا نجيد سوى الكلام والتنظير… من على أي شيء مريح..
عناقريب كانت… أم سرائر… أم بنابر… أم منابر..
من زمن لويس ذاك – وإلى يومنا هذا – نحن نهوى الكلام من على العناقريب..
وانظروا إلى ندواتنا… ومجالسنا… وبرامج شاشاتنا..
كلها كلام في كلام… ورغي في رغي… وتنظير في تنظير… وتفلسف في تفلسف..
ثم لا شيء… فقط كلام والسلام..
لا ترجمة لهذا التنظير – فعلاً – على أرض الواقع… فهذه مهمة أناسٍ آخرين..
ولكن من هم الآخرون هؤلاء..
فنحن جميعاً – بسم الله ما شاء الله – نتكلم… ونرغى… وننظر… ونفلسف..
وأنا نفسي كانت كلمتي تلك مجرد رغي..
هل قلت صباح الخير؟… إذن فأنا آسف… آسف بشدة… آسف للغاية..
آسف جداً!!.
صحيفة الصيحة