يعتبر ارتكاب البشر للأخطاء فرصة استثنائية لنمو التواضع في داخلهم، وإدراك أن الحياة تكاد تكون تكرارًا مستمرًا للأحداث للتعلم، فمن الحكمة أن ترافق كل فشل وإهمال وإهانة بكلمة ”سامحني“، وهذه فضيلة ”نادرة“ يجب على الكثيرين ممارستها.
ارتكاب الخطأ ”عيب شائع“، أما ”طلب العفو فهو فضيلة يمارسها القليلون“، لهذا السبب يعتبر الشخص نبيلًا إذ ما امتلك النضج، ليقول لك ”لقد اخطأت في حقك“، والشجاعة لطلب العفو من خلال النظر في عينيك.
إذا فكرنا في الأمر، فسوف ندرك أننا نستخدم كلمة ”آسف يوميًا“، عندما نلتقي بشخص ما، عندما نتقدم في محادثاتنا فنقطع أو نقاطع حديث صديق.. ومع ذلك قلة هم أولئك الذين بعد ارتكابهم للأخطاء يبادرون ويكشفون عن قلوبهم بعبارة ”أنا آسف، لم أفعل الأشياء بالشكل الصحيح.. لذلك أعتذر“.
الأخطاء ”عامل بشري“
نحن جميعًا غير معصومين، ومن الضروري تقدير الخطأ بكل أهميته حتى نتمكن من ”استنتاج الدروس“؛ لأن الخطأ في جوهره ”دعوة مباشرة لتحسين الذات“.
الآن نحن نعلم أيضًا أنّ هناك عيوبًا وأخطاء.. هناك أوقات تكون فيها الأخطاء ”بوابات للاكتشاف“، فالعِلم نفسه مليء بهذه ”الصدف المذهلة“ التي وجد فيها علماء مشهورون اكتشافًا جديدًا بعد ارتكاب خطأ ما.
مجتمع يعاقب الخطأ
نحن نعيش في مجتمع لا يعتذر إلا قليلا، وعندما نفعل ذلك فإننا نظهر أحيانًا عدم نضج واضح.. هناك من يعتذر عن طريق ”الواتس اب“، وهناك من يبادرون بنشر أعذارهم على الشبكات الاجتماعية قبل أن يعرض المتضرر شكواه، حتى لا يبقى له حق في الرد، سوى الاستسلام.
نحن نعيش أيضًا في بيئة اجتماعية يتعلم الأطفال فيها أن الأخطاء بالنسبة لنظام التعليم الحالي يعتبر فشل الطالب شيئًا يعاقب عليه، ويجب تصحيحه، ولكن ليس من دون تطبيق الفشل المطلوب مسبقًا.. فهكذا يتعلم الطفل منذ سن مبكرة تطوير آليات دفاع لإخفاء الخطأ، ليظل قادرًا على حماية تقديره لذاته.
عندئذ تبدأ حلقة مفرغة غريبة.. إذا كنت لا أستطيع أو لا تريد ”رؤية خطئي فلن يكون لدي أي مبرر لطلب العفو“.. شيئًا فشيئًا تضيع جودة العذر لتمويهه ببساطة، بسبب ”الأنا المتضخمة“.
إننا جميعًا سنفقد فرصًا رائعة للتعلم ولتحسين أنفسنا إذا لم يتم التعامل مع الخطأ مبكرًا كشيء سلبي للغاية وتصرف يعاقب عليه.
طلب العفو بعد الخطأ
العفو الحقيقي ينتج ”المصالحة“، والعفو قبل كل شيء ”موقف وقرار نابع من الشجاعة“.. إنه الاعتراف بالأضرار وإقرار بأننا على دراية واعية بما تسببنا فيه من إساءة واضحة في حقه.
أصبح من الواضح أن ”أشكال العفو“ ليست كلها فعالة، وأن كل من يطلبون العفو لن يعفى عنهم جميعًا بالضرورة.. ومع ذلك يجب طلب العفو بشكل جيد، لتطبيق الفضيلة الصحية المتمثلة في معرفة كيفية الاعتذار بعد الخطأ يمكننا الاعتماد على استنتاجات دراسة أجرتها جامعة أوهايو في الولايات المتحدة.
أفضل خطوات الاعتذار
• هدم الأحكام المسبقة، حيث يواصل مجتمعنا ربط فعل طلب العفو بالضعف، لذلك حان الوقت لوضع حد لكل هذه الأحكام المسبقة الداخلية، وإدراك أنه ”لا يوجد أحد أكثر شجاعة من شخص قادر على ارتداء ملابس التواضع للاعتذار“.
• الاتصال بالعين واستخدام الحزم لتجنب الوقوع في مبررات كاذبة.. لا بد من أن تنظر في عيني الشخص الذي تمت الإساءة له، لتكشف له بوضوح عن الخطأ الذي ارتكبته في حقه.
• أن نعترف بمسؤوليتنا في كل ما تسببنا فيه.
• لكي تكون عملية الاعتذار ذات مصداقية، يجب أن تكون مصحوبة دائمًا باستعداد واضح لتصحيح الخطأ.
• يجب تقديم الاعتذار من دون دراما وبتعاطف ملائم.
على الرغم من حقيقة أنه يقال في كثير من الأحيان إن ”أول من يطلب العفو هو الأكثر شجاعة، وإن من يعفو هو الأكثر تواضعًا“، فإن عظمتنا في الواقع تكمن في تعلم كل هذه الخطوات التي تساعدنا يومًا بعد يوم على الصمود والمقاومة في داخل تناقضاتنا الشخصية من دون أن يكون ”للأنا“ فيها مكان.
لا شيء يعلمنا أكثر مما يعلمنا إياه الخطأ، وليس هناك ما هو أجدر بنا معرفته من معرفة كيف نطلب العفو عن الخطأ.
إرم نيوز