كيلا ننسى..
فمنا من ذاكرته سمكية… ويحتاج – من ثم – إلى تذكير..
وإلى هؤلاء نعيد نشر كلمتنا هذه..
الكلمة التي تنبأنا فيها بنهايتهم… فحدثت النهاية هذه – بالضبط كما توقعنا..
واليوم يسعون إلى بداية جديدة… من بعد النهاية تلك..
ويراهنون – في ذلك – على ضعف ذاكرة الكثيرين منا..
إنهم جماعة مركزية قوى الحرية والتغيير… والذين ظهروا الآن بوجوهٍ جديدة..
أو وجوهٍ قديمة… كانوا يظهرون بها قبل الثورة..
فكيلا ننسى – إذن – ولا ننخدع نعيد كلمتنا هذه اليوم..
والتي قلنا فيها:
جميعنا انتقلنا..
انتقلنا نقلةً منقطعة النظير..
انتقلنا حكومةً… وشعباً… ووطناً..
انتقل كل فرد في مؤسساتنا الحاكمة – سياديةً كانت أم وزارية – من حال إلى حال..
وسبحان مغير الأحوال..
انتقال من المفترض تدريسه في المعاهد – والكليات – المختصة بعلوم الثورات..
فما من ثورة في العالم أحدثت مثل هذه النُقلة..
فهو أعجب انتقال لفترة انتقالية تعقب ثورة شعبية..
انتقال ذو وجهتين متعاكستين… كلٌّ منهما تسير في اتجاه عكس الأخرى..
نقلةٌ نحو الأمام… والثانية نحو الخلف..
نقلة (ما منظور مثيلها) برعاية كلٍّ من المؤسس… والمطبع..
فانتقلت قلة إلى حيث النثريات… والفارهات… والدولارات… والسفريات..
والغالبية انتقلت إلى حيث العذابات..
إلى عذابات أشد عذاباً من أشد أيام العهد الذي ثاروا عليه عذابا..
وأكثرهم صراخاً بهذه العذابات – ومنها – آنذاك هم من المنتقلين الآن إلى الأمام..
كانوا الأعنف صياحاً بعذاب رفع الدعم… مثلاً..
واليوم هم الأنعم صمتاً إزاء رفع مرفوع إلى أس تكعيب لرفع الأمس ذاك..
لا تحس منهم من أحدٍ أو تسمع لهم ركزا..
ليس حيال رفع الدعم (المضاعف) هذا وحسب؛ وإنما تجاه كل ما فيه تعذيب للناس..
الخبز… الوقود… الدواء… الكهرباء…… كل شيء..
وكل الذي يصمتون عنه هذا يأتيهم رغداً من كل مكان؛ داخلياً… وخارجياً..
فحتى من الخارج يقبض بعضهم بالدولار..
وذلك بعد أن يقبض من الداخل مليارات من عملتنا المحلية..
ويقبض معها كل الذي يتعذب الشعب في سبيل الحصول عليه؛ الوقود… الخبز… الدواء..
ولا يُقبض منه الذي يُقبض من الشعب هذا؛ الكهرباء… المياه..
لقد انتقلوا… وعبروا… وانتصروا؛ في اتجاه..
وفي اتجاه معاكس له – تماماً – انتقلنا نحن؛ نحن ووطننا… وعبرنا..
عبرنا إلى وادي الأسى… والألم… والندم..
وعبرت معنا – إلى الوراء هذا – مؤسساتٌ من المفترض أن تعبر معهم إلى الأمام..
مؤسسات مثل البرلمان… والمحكمة الدستورية..
تركوها خلفهم – معنا – وعبروا من دونها…. ليفعلوا ماذا في غيابها؟…. لا أدري..
أو ربما ليفعلوا ما يحلو لهم… بعيداً عن أنظارها..
مثل التطبيع… والتشليع… والتمييع؛ تمييع قضايا الانتقال الملحة كقضية مجزرة الاعتصام..
ثم لا رقيب عليهم… ولا حسيب..
لقد عبروا… وانتقلوا في اتجاه؛ وعبرنا نحن… وانتقلنا – مع بلادنا – في اتجاه آخر..
واليوم سيعبرون حتى إلى إسرائيل..
ولا غضاضة في ذلك؛ ولكنه عبورٌ لعهود – ووعود – قطعوها على أنفسهم… والناس..
وخلاصتها؛ لا تطبيع إلا (عبر) البرلمان..
ولكن برلمان (الجن) هذا لا يريدون له أن يعبر معهم… لشيء في نفوسهم الأمارة بالشبق..
شبقٌ لكل ما هو ملياري من نثريات… ومخصصات… وامتيازات..
وهو الشبق ذاته الذي جعل المنصورة لا (تنتصر) على هوى نفسها… وتعبر مع العابرين..
ولا أدري هل ستعبر معهم إلى إسرائيل – أيضاً – أم لا..
وذلك بعد أن أدمنت العبور – عبر الأجواء – حتى إلى جزر القمر..
لقد سقطت في امتحان الانتصار للمبادئ..
مبادئ حزبها بشأن العلاقة مع إسرائيل… ولكن هل نلومها وحدها وندع بقية الساقطين؟..
فها هو حتى (المناضل) أردول يهوي على أم رأسه..
أو على أم جيبه… وينسى – كما نسي الآخرون – كل الذي كانوا يعيبون أهل الإنقاذ عليه..
ثم زادوا عليه بنسيان حتى الشعب (ذات نفسه)..
والقطيع الذي ما زال يردد ببغائية مضحكة (سنعبر… وننتصر) عليه أن يفيق سريعاً..
يفيق من سكرته… من غفوته… من غفلته… من غبائه..
فهؤلاء قد عبروا – خلاص – ونسوكم…. وانتصروا لأنفسهم وأهملوكم..
فإن لم تتداركوا أنفسكم… وتدركوا ثورتكم… بأعجل ما يمكن فعليها – وعليكم – السلام..
فسوف تضيع بمثلما ضاعت ثورتان مثلها من قبل..
وستذكرون كلامي هذا حين لا ينفع الندم..
حين نكون قد عبرنا – ووطننا – إلى أقصى مدى معاكس لمدى عبورهم هم..
تماماً كما تذكر أهل الإنقاذ كلامنا عند الندم..
عندما عبروا إلى كوبر… وتركيا… ومصر… وعالم الضياع..
وعبرنا نحن… وانتصرنا..
وانتقلنا!!.