لزمت عادة التجوال بين فراغات الأزقة . أطوف بالطرقات لاحيي خيرية (التمشي) وسنة بذل التحايا والسلام . أحب جدا تلك المصافحات التي تجعل أحدهم يجفل لكي لا (ينجلغ) مصرور اللبن .او لحظة مباغتة عم (صديق) وهو يتأهب لوضع كرسي منسوج من البلاستيك . بذاك التصميم الذي يشبه راحة أسد وذاك الميل للخلف بسبب تفكك صرامة لحام نخرته الأيام . كان الرجل السبعيني يضع تلك الطوية على مقعد الكرسي الذي إرتخت سيوره فصارت مثل الحفرة . حينما مستت كفه جفل بغير روع ثم إستقبلني بإصلاح طاقية قطنية زادت وجهه وسامة . كعادته دوما بسام مرح . يصافحك بالكفين . يمسك بكفة وكأنه يتلو سرا . ولا ينسى في تلك الأثناء صيحاته وهو ينهر صبيا تعلق بعنق أخر في مشاجرة ودية كغزل القطط . يصيح يا (ولد) فينفصل تامر ود الحلبية عن عثمان البعيو ! يفرا الى مطاردة تتخلها ضحكات غير مبالية بتنيه العم صديق . الذي يتخذ مجلسه عند زاوية الطريق ليمارس ذاك الفضول الصامت وتأملات العشيات . أقف لهنيهة ثم أعبره الى (حجازي) وهو أخلاط محطة و(مسجد) وضجيج مسائي قوامه . ثرثرات باعة وقوافل عبور من الصنايعية والطلاب . موظفون يرتدون مع المغيب الى أوكارهم . وصرير عجلات السيارات على الأسفلت . فيتوزع الجمع بين مصلي وطالب طعام وجالس يطلب بعض الأنس مع رشفات الشاي وتائه يستفسر عن دكان بوقي !
2
إنقطاع الكهرباء الذي كان مثل سقوط قنبلة على كوخ حياة . أحدث (صنة) وجوم مفاجئ . سمعت بكاء طفل يتصاعد . وجلبة جر اواني . أشعل هارون صاحب الطبلية سيجارة نفث مع نفس منها سيل لعنات ! الرجل محق فقد أقام داخل كشك الحديد (مرضعة) للهواتف السيارة لجيرانه من عمال الفرن والميكانيكة وبعض طلاب جامعة السودان ! إذ أعد دائرة كهربائية يستقبل عليها الهواتف التي نضبت طاقاتها . لقاء جنيهات حسب الجفاف الهاتفي وظروف إحتياجات صاحبه لخط او أثنين . كنت كلما أعبر من الشرق للغرب ألحظ ان الظلمة تزداد وان الأبواب الموصدة للبيوت تنفتح بلا محاذير . سخونة الطقس كانت تدفع بالرجال للتجوال والنساء والقواعد للتوزع بين أجساد في الحيشان .تتطاير أسماع أحاديثن خلف الابواب . أحيانا إن امنن الغرباء يزدن من إتساع إماطة أذى الحذر بفتح الباب قليلا او لزوم جانبه مع الستر غير الفاضح للملامح . فهذا البلد من غرائبه ان الكهرباء حينما تذهب كأن (قطاعها) يشفط الهواء والنسمات فيترك للجميع الجحيم
3
دخلت صيدلية صادفتني . أبحث عن حبوب (الحيرقان) . وددت لو أن هناك (باندوتاك) لحراق الروح لطلبت أخرى له . راقتني الأنوار الباهرة والبرودة الٱسرة . وثرثرات شباب من الصيادلة . أحببت فيهم تلطفهم النبيل بالزبائن وروح الطرفة التي كان ترد بعض من لم يجدوا ما يطلبون فيخرجون مبتسمين . حزت على أخر (شريط) من عقاري غير الثمين او النادر . دفعت نحو 900 جنيه وكنت أشتريه قبل سنوات أقل من ثلاثة بما قدره 20 جنيها ! تابعت بحذر قلق تردد شيخ في طلب ما . أظنه كان يتهيب السعر . وصدق حدسي . أخرج الرجل وريقات عدها . كان يفرزها بصعوبة من روشتات وحزمة قصاصات . لمحته ينظر الى الأرف بحيرة . كنت أدير تدابير التصرف على عجل . هممت بالهمس للصيدلي ان يقبل الروشتة . غمزت فالتقط الشاب إشارتي لكن العجوز كان قد خرج . تسارعنا نلحق به كان مثل شبح توسد لجة الظلام . أحسست بضيق أفسد مسائي . عدت الى مدخل الصيدلية . كانت عجوز قد إفترشت الارض . إكتفت ببسط جانب ثوبها فيما بقيته قد غطت به وجهها . سحبت نظري عنها فيما جانب انفي يلتقط عطر نسائي نفاذ _اظنه ماركة_ لسيدة فاخرة فارهة المظهر . رمقتني بجانب عين نجلاء مكحلة فيما كان لسانها يزجر السيدة العجوز . يا حجة ما تزحي من الطريق ! أظن اني سمعت كلمة (أووف) ! لحظتها خرج صبي . يمسك بكيس أدوية . أنحنى على المزجورة يضع ب وريقات من نقد وقليل حلوى ! وقف بجانبي واظن اني كذلك أسد الطريق قال لي بلطف يا خال ..لو سمحت ؟ ومد اصبعه بمعنى أدينا سكة !
4
إنعطفت شمالا مسارا وجغرافيا أقصد (شنداوي) حدسي كان يقول أني سالتقي عزيز قوم . وبالفعل صادفت (صلاح) وهذه قصة أخرى فما أجمل أن تلتقيه ففيه عبق بيوت القشلاقات العتيقة وتصرف اولاد البوليس ومنابت النابهين من مدني . وساتلو عليكم منه ذكرا
محمد حامد جمعه نوار