الحوار السوداني… المشاركون يخشون الفشل والمقاطعون يلوحون بجبهة ضد الانقلاب
كشفت مجريات أولى جلسات الحوار المباشر الذي تقوده “الآلية الثلاثية” المشتركة بين الاتحاد الأفريقي ومنظمة دول شرق ووسط أفريقيا (إيغاد) والبعثة الأممية المتكاملة لدعم التحول الديمقراطي في السودان (يونيتامس)، مدى اتساع الهوة بين الفرقاء والأطراف المختلفة، وجاء موقف القوى الثورية الفاعلة المقاطع للحوار، أي تحالف “قوى الحرية والتغيير” (المجلس المركزي) و”لجان المقاومة” و”حزب الأمة” و”الشيوعي” ومنظمات أخرى، ليشكل منعطفاً جديداً استبعدت معه “الآلية” إمكانية نجاح الحوار في التوصل إلى اتفاق في غياب تلك القوى، صاحبة المصلحة في التحول الديمقراطي.
تمسك ووعود
وفي محاولة لإنقاذ جلسات الحوار المتبقية، التزمت “الآلية الثلاثية” بالتواصل مع المقاطعين بغرض إلحاقهم بالعملية السياسية التي ينتظر أن تستأنف جلساتها، الأحد المقبل 12 يونيو (حزيران)، ما قد يضع الآلية أمام خيارات تضطر فيها إلى تأجيل أو تعليق جلسات الحوار إلى حين، أو المضي فيه بمن حضر، على الرغم من تأكيدها عدم جدوى الحوار في ظل غياب تلك القوى الثورية الرئيسة المؤثرة.
ووفاءً بالتزامها، عقدت “الآلية” بالفعل ظهر الخميس 9 يونيو (حزيران)، اجتماعاً عبر لجنة التواصل مع المجلس المركزي لـ”قوى الحرية والتغيير” بشأن موقفه المقاطع لجلسة الحوار، في محاولة للوصول إلى صيغة مشتركة تكفل موافقتهم على الانضمام إلى جلسات الحوار.
وكشف المتحدث باسم “حزب المؤتمر السوداني”، نور الدين بابكر، لـ”اندبندنت عربية”، أن “المجلس المركزي للحرية والتغيير ما زال متمسكاً بموقفه الرافض والمقاطع لجلسات الحوار على النحو الذي تم به الترتيب لها”. وجدد بابكر، تمسكهم في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، بالمطلوبات المضمنة بالمذكرة المكتوبة التي سبق وتسلمتها البعثة الأممية، وحملت تصوراً متكاملاً وشاملاً، مبيناً أنهم حددوا في الاجتماع بوضوح “شكل الفاعلين الذين يمكن أن تشملهم عملية الحوار، من بينهم حركات الكفاح المسلح، من منطلق إيماننا بالسلام وقوفنا ضد أي خطوة تعيد البلاد إلى الحرب مرة أخرى، من دون إغراق الحوار بعديد من القوى غير الفاعلة ثورياً، بل تعتبر جزءاً أصيلاً من النظام البائد”.
وأوضح بابكر أن “الآلية وعدت بالنظر في المطلوبات التي طرحوها ووضع الحوار في المسار الصحيح الذي يجب أن يكون عليه، من خلال إعادة تصميم العملية مرة أخرى بمشاركة المجلس المركزي”، مشيراً إلى أن “الوعد شمل أيضاً العودة إلى الالتقاء مرة أخرى لاطلاعهم على التعديلات التي يجب أن يتفق عليها”.
وشدد نور الدين على أن “الآلية الثلاثية ارتكبت أخطاء عدة ينبغي تصحيحها، باعتبار أنها غير محايدة تجاه التحول الديمقراطي بل داعمة له وفق تفويضها”، مطالباً بـ”ضرورة العمل على إنهاء الانقلاب، ثم النظر في تأسيس جديد للفترة الانتقالية مع مبدأ توسيع المشاركة، ولكن مع من يؤمن بالتحول الديمقراطي ولا علاقة له بالنظام البائد أو بإعادة إنتاجه”.
اللجنة الوطنية
وكان المجتمعون في جلسة الحوار الأولى أقروا تكوين لجنة من شخصيات وطنية مرموقة، للتواصل مع الأحزاب والكيانات المقاطعة للحوار والعمل على إقناعهم بالمشاركة في جلسات الحوار المقبلة، وصدرت مناشدات عدة من المكون العسكري وقيادات حزبية أخرى للمقاطعين للالتحاق بالحوار، لا سيما أن الوقت بات حرجاً بالنسبة إلى الظروف التي تمر بها البلاد.
وأعلنت “الآلية الثلاثية” في بيان نشر في سلسلة تغريدات للمتحدث باسمها محمد بلعيش، أنها لن تتمكن من إيجاد حلول “في غياب فاعلين سياسيين حقيقيين من أصحاب المصلحة في التحول الديمقراطي”، في إشارة إلى غياب كل من قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، ولجان المقاومة، وتجمع المهنيين وحزبي الأمة والشيوعي، وعدد من المنظمات والكيانات الثورية الفاعلة الأخرى.
وجاء في البيان، أن “بعض القوى السياسية الأساسية تغيبت عن المشاركة في اجتماع، وعلى رأسها المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير وحزب الأمة والحزب الشيوعي السوداني، ومجموعة حقوق المرأة وتجمع المهنيين السودانيين ولجان المقاومة، وهي تمثل أصحاب مصلحة رئيسين في العملية السياسية من أجل الانتقال الديمقراطي في السودان، ولن تكون العملية مجدية من دون مشاركتهم”، مؤكداً “الاستمرار بالانخراط معهم لضمان مشاركتهم.”
وأكد البيان أن مناقشات جادة تمت حول القواعد الإجرائية وشكل المحادثات بشأن القضايا الموضوعية وإنشاء هيئة وطنية من الشخصيات السودانية المرموقة للإشراف على المحادثات السياسية والعمل عن كثب مع الآلية الثلاثية لتيسير العملية.
ولفت البيان إلى أن “مقترحات الآلية لهيكلة العملية السياسية أو تيسيرها أو إدارتها أو تنظيمها تبقى مجرد مساعدة تقنية يتم طرحها على أصحاب المصلحة السودانيين للاختيار من بينها أو تقديم مقترحات عملية أخرى حول كيفية إجراء هذه العملية”، مشيراً إلى أن “الدعامة الرئيسة لهذه المحادثات هي ضمان ملكية السودانيين للحلول وسبيل المضي ببلدهم قدماً إلى الأمام”.
تطور استثنائي
وفي تطور استثنائي لافت، التأم مساء الخميس 9 يونيو (حزيران) الحالي، لقاء غير رسمي بين وفد من “الحرية والتغيير- المجلس المركزي” والمكون العسكري بدعوة من مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية، مولي في، وسفير السعودية لدى السودان علي بن حسن جعفر.
وكان المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير أعلن في تعميم صحافي، أنه سيطرح في اللقاء إجراءات إنهاء الانقلاب، وكل ما ترتب عليه من آثار وتسليم السلطة للمدنيين، إلى جانب التنفيذ الفوري لإجراءات تهيئة المناخ الديمقراطي جميعها من دون استثناء، فضلاً عن النقاش حول الكيفية التي ستكون عليها العملية السياسية شاملة، وإجراءات إنهاء الانقلاب.
واعتبر مراقبون أن اللقاء في حد ذاته يمثل تطوراً إيجابياً كسر الجمود الطويل بين الطرفين، منذ انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، على الرغم من أنه لم يُحدث اختراقاً كبيراً أو يصل إلى نتائج وخلاصات واضحة بشأن تفكيك الأزمة المتجذرة.
وأكدت مصادر في “قوى الحرية والتغيير” لـ”اندبندنت عربية”، أن اللقاء اتسم بالصراحة الشديدة. وأكد فيه الطرفان مبدأ الحوار لحل الأزمة وتم فيه تبادل رؤى وتصورات كل طرف للحلول التي تحفظ المصلحة العليا للبلاد، من دون التزام المجلس المركزي بالعودة إلى الحوار المباشر الذي بدأت جلساته الأربعاء (8 يونيو)، مشيرة إلى أن “اللقاء ليس بديلاً عن الآلية الثلاثية بقدر ما هو دفعاً لها، وأن المكتب التنفيذي سيواصل اجتماعاته مع لجنة التواصل التابعة للآلية بخصوص رؤيته وتصوره للحل”.
أعلنت “الآلية الثلاثية” في بيان أنها لن تتمكن من إيجاد حلول “في غياب فاعلين سياسيين حقيقيين (اندبندنت عربية – حسن حامد)
تجديد الرفض
في غضون ذلك، جدد عادل خلف الله، القيادي بـ”الحرية والتغيير – المجلس المركزي”، تمسك التحالف بالمقاطعة وعدم المشاركة، معتبراً أن البديل الوحيد بالنسبة لهم هو الذهاب في اتجاه بلورة جبهة شعبية للديمقراطية والتغيير لإسقاط انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
على المنحى نفسه، وصف فؤاد عثمان، أمين العلاقات الخارجية بحزب المؤتمر السوداني الجلسة الأولى للحوار بحيثياتها وحضورها بأنها كانت “أشبه بمنولوج سياسي بدا فيه المكون العسكري ومؤيدوه وكأنهم يحاورون ظلالاهم”.
وأوضح عثمان أن “الانقلابيين ومن يقف معهم يريدون أن يفرغوا الحوار من مضمونه”، مشيراً إلى أن “قوى الحرية والتغيير سبق وأن أبانت رؤيتها وتصورها لماهية العملية السياسية. وأكدت بوضوح أنه لا بد أولاً من أن يعترف الانقلابيون بجرمهم في 25 أكتوبر، ووقف العنف المتصاعد تجاه المتظاهرين السلميين إلى جانب إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “إغراق الحوار بالشكل الذي جاء عليه، جعله مشابهاً لما عرف بحوار الوثبة الذي دعا له المعزول البشير في عام 2015 وكان يحاور فيه مؤيديه”، مؤكداً أن “المجلس المركزي للحرية والتغيير سيتعاطى إيجاباً مع الآلية الثلاثية من أجل تغيير رؤيتها”.
وأكد عثمان أن “تحالف الحرية والتغيير سيواصل في الوقت نفسه عمله الدؤوب لخلق جبهة واسعة لمناهضة الانقلاب”، لافتاً إلى أن “المجلس لن يلتحق بالحوار في أي من مراحله اللاحقة، إلا إذا تحققت المطلوبات والاشتراطات المضمنة في التصور الذي سلم مكتوباً للآلية الثلاثية”.
من جانبه، أكد وجدي صالح، عضو المكتب التنفيذي للحرية والتغيير المجلس المركزي، أن سبب رفض تحالفهم المشاركة في الحوار هو كونه لم يتضمن إسقاط الانقلاب، فضلاً عن رفضهم مشاركة القوى المؤيدة للانقلاب، لذلك لن يعترف التحالف بمخرجات هذا الحوار، ولا يعتبر نفسه جزءاً من العملية السياسية الجارية حالياً.
وكان المتحدثون خلال الجلسة الافتتاحية، أكدوا “أهمية الحوار خلال هذه المرحلة المهمة من تاريخ البلاد، وضرورة توحيد الجهود والرؤى والعمل الجاد للوصول لرؤية موحدة لإدارة الفترة الانتقالية”.
وأوضح الفريق بحري، إبراهيم جابر إبراهيم، عضو مجلس السيادة، عضو اللجنة العسكرية الثلاثية في الحوار، في تصريح صحافي عقب الجلسة، أن الجميع أكد أهمية الحوار، وأن يكون وطنياً، بهدف التوصل إلى توافق حول آلية إدارة الفترة الانتقالية وتشكيل حكومة انتقالية وإكمال هياكل ومؤسسات الفترة الانتقالية، وصولاً إلى انتخابات حرة ونزيهة وحكومة مدنية كاملة.
وناشد جابر، القوى السياسية جميعاً بضرورة المشاركة في الحوار وتغليب المصلحة الوطنية وتحكيم صوت الحكمة وإعلاء روح التسامح.
أما الفريق أول محمد حمدان دقلو، نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، فدعا القوى السياسية الغائبة عن الحوار، إلى تغليب المصلحة العليا للبلاد والانخراط والمشاركة. وقال دقلو على حسابه الرسمي في “فيسبوك”، إن “هدف الحوار المباشر بين الأطراف السودانية هو التوصل إلى توافق وطني من أجل استكمال ما تبقى من الفترة الانتقالية”. وأشار نائب رئيس مجلس السيادة، إلى أنه “لا بديل للحوار إلا الحوار من أجل تحقيق توافق وطني يمهد الطريق إلى بناء مستقبل أفضل لبلادنا”.
وأشاد دقلو “بجهود الآلية الثلاثية والدول الشقيقة والصديقة التي تدعم وتساند الشعب السوداني”، مؤكداً “دعم الآلية الثلاثية كمسهل للحوار المباشر”، محيياً في القوت ذاته “كل القوى الوطنية التي شاركت في الجلسة الأولى للحوار”.
من ناحيتها، رحبت وزارة الخارجية السودانية، بالبيان الذي صدر عن المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة وأكد فيه دعم جهود التوصل إلى حل ديمقراطي وحض جميع الأطراف وأصحاب المصلحة في السودان على الانخراط في محادثات مباشرة، والمشاركة بحسن نية في عملية التفاوض ومواصلة العمل من أجل تهيئة بيئة مواتية لحوار بناء لصالح الشعب السودان.
وكانت “الآلية الثلاثية” عقدت اجتماعاً تقنياً، الأربعاء 8 يونيو، لمناقشة تفاصيل التحضير، بما في ذلك الإجراءات وجدول الأعمال المحتمل للحوار السوداني- السوداني بغرض استعادة الانتقال الديمقراطي بقيادة مدنية.
مخاوف المآلات الخطيرة
وبدأت “الآلية الثلاثية” العمل في مارس (آذار) الماضي، وفي أول مرحلة كانت تتشاور مع الأطراف المختلفة عن العملية في سياق حوارات منفردة غير مباشرة.
ومنذ أطاح قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الشراكة مع الحرية والتغيير وحل مؤسسات الفترة الانتقالية في 25 أكتوبر الماضي، يشهد السودان تدهوراً اقتصادياً بسبب توقف المساعدات الخارجية، واضطرابات أمنية وسياسية تجلت في استمرار المواكب المطالبة بعودة الحكم المدني واسترجاع مسيرة التحول الديمقراطي، ومحاسبة قتلة المتظاهرين، الذين قدرتهم “لجنة أطباء السودان المركزية” بنحو 100 قتيل برصاص الأجهزة، بينما جرح وتشوه جرح عشرات المتظاهرين السلميين الآخرين، ناهيك بعدم تحقيق العدالة لضحايا مجزرة اعتصام القيادة العامة الشهيرة.
وتحركت مبادرات محلية وإقليمية ودولية، إزاء الضغوط الدولية والإقليمية والمحلية، وولدت مبادرة بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان، التي انضم إليها لاحقاً الاتحاد الأفريقي ومنظمة “إيغاد”، في ما بات يعرف بالآلية الثلاثية لتسهيل الحوار السوداني المباشر، من أجل حل الأزمة تفادياً للمآلات الخطيرة التي تهدد بتصدع وانهيار البلاد اقتصادياً وأمنياً وسياسياً.
إندبندنت عربية