الطاهر ساتي يكتب.. التفكير السُلحفائي..!!
إليكم …………….. الطاهر ساتي
:: حسب الإعلان المنشور بصحف الأمس، وفيما تشهد مناطق بالسودان والخرطوم بداية فصل الخريف، يرغب مدير عام الطرق والجسور ومصارف المياه بولاية الخرطوم في تأهيل شركات وأسماء أعمال متخصصة في تنفيذ مصارف الأمطار، وأن آخر موعد لتقديم العطاء (16 يونيو) 2022.. وهذا يعني أن فرز العطاء واختيار الشركات المنفذة لمصارف الأمطار بالخرطوم سيكون في (عز الخريف)..!!
:: وليس في الأمر عجب، فالخريف دائماً ما يفاجئ المسماة بالسلطات المسؤولة، وما هي بمسؤولة.. وعليه، كما الحال سنوياً، فالميادين ستكتسي بالطحالب، وتتحول ساحات الأحياء إلى مستنقعات، وبالحدائق تعزف أوركسترا الضفادع ألحانها.. ومن تلك المستنقعات تنتشر أسراب البعوض والذُباب، ومن نلقبهم بالمسؤولين – كالعادة – يتوسدون اللامبالاة ويلتحفون التجاهل، لحين تفشي الأمراض في مجتمع مرهق اقتصادياً وبالكاد أسره توفر قوت اليوم..!!
:: لو كانت دولة مؤسسات، فإن غياب الوالي لا يبرر للعاملين بالمحليات العجز عن التحسب لمخاطر الخريف، ولا غياب مجلس الوزراء والبرلمان يُبرر للعاملين بالمحليات والولايات التقوقع في محطة انتظار الكوارث.. أجهزة الدولة المحلية والولائية بحاجة إلى مؤسسية تعلمها فضيلة (التفكير الاستباقي)، كما تفعل المجتمعات.. وعلى سبيل المثال (المطمورة)، أوعية ذات سعات مختلفة، تقف شامخة بجوار بعضها بطول جدار الحوش..!!
:: (المطمورة)، لم تكن ترمز للثراء، إذ هي كانت تزين حيشان كل البيوتات (الثرية والفقيرة)، ولكنها كانت ترمز للأمن الغذائي والمخزون الاستراتيجي للأسرة.. أي، بالمطامير كانت عبقرية البسطاء تسبق موسم شح المحاصيل.. ولذلك، لم يكن موسم الجفاف يفاجئ الناس بمخاطر الجوع لحد الموت والمرض.. فالمطمورة – بكل بساطتها – كانت بمثابة تفكير استباقي لكيفية مواجهة (أزمة مرتقبة)..!!
:: وبكردفان، لا تعرف أجيال اليوم كيف تم تجويف أشجار التبلدي (الوفية والأمينة)، لتحتفظ بمياه فصل الخريف في جوفها طوال فصل الصيف؟.. لا يتغير لونها ولا رائحتها ولا طعمها، بل تزداد عذوبة ونقاءً لتروي عطش الأهل.. بهذا التفكير الإيجابي كانت الفرقان والوديان والأرياف – بكل كثافتها السكانية – تتجاوز أزمة العطش.. ولحظة تجويف سواعد البسطاء لتلك الأشجار العظيمة هي لحظة التفكير الاستباقي لكيفية تجاوز (أزمة مرتقبة)..!!
:: وبالجزيرة وغيرها.. عندما تنثر أيدي الزراع بذور الذرة و(أب سبعين)، تكون أيدي الأبناء مشغولة تغرس منصات خشبية تحيط بها أسوار من الأشواك أو الأسلاك الشائكة، بحيث يصبح المكان آمناً لحفظ حزم سيقان الذرة بعد حصادها أو حزم أب سبعين بعد تجفيفها.. وبهذا التفكير الإيجابي تحظى الأنعام بالأمن الغذائي والمخزون الاستراتيجي..!!
:: ولحظة تشييد المنصات والأسوار – لتخزين القصب الجاف – هي لحظة التفكير الاستباقي لكيفية إدارة (أزمة مرتقبة).. وكثيرة هي النماذج التي تعكس أن العقل الشعبي يتجاوز مخاطر الأزمات بالتفكير الإيجابي، وهو المسمى – في مراجع الإدارة – بالتفكير الاستباقي .. ولأن هذا النوع من التفكير مفقود في بلادنا، فمن الطبيعي أن تقرر العقول السلحفائية فرز عطاء الشركات المنفذة لمصارف الأمطار في (عز الغرق)..!!
صحيفة اليوم التالي