“الفروق التي تفصل بين الطبقات الاجتماعية خاطئة، وهي في التحليل الأخير تستند إلى القوة”.. ألبرت آينشتاين..!
(1)
ومن عجبٍ أنّ هذه “الأصناف” من أمّهات اليوم هنَّ الامتداد المُتنامي لجيل الأمهات والخالات والعمات، الرائع، الذي بات مُهدّداً بالانقراض، بعد أن زحفت عليه عوامل التعرية العصرية، وبعد أن ساهم ذات الجيل الأكبر في إفساده، بإصرار الأمهات على تدليل بناتهن – كتعويض ربّما عن الدلال الذي لم يُحظين به في طفولتهن – والنتيجة هي انحسار مُعدّلات النساء اللاتي يجدن فنون الطهي والحياكة ويفهمن في الأصول ويحرصن على إحياء التقاليد والعادات الحميدة. يُحزنني جداً أنّ تلك الكائنات الرائعة المليئة بالإخلاص والكبرياء والإنسانية قد باتت اليوم مُهَدّدَة بالانقراض. تلك الكائنات التي تُعرف تماماً ما يجب أن يُقال وما ينبغي أن يفعل في كل موقف، مُفاجئاً كان أم روتينياً، كرنفالياً كان أم مأساوياً. تلك الكائنات الرحيمة الودودة المُكتنزة التي تجيد “نضافة الكمونية و”تسبيك الدمعة” و””تظبيط الكوارع” بذات القدر الذي تُجيد به اختيار “الطلح” الجيد و”الشاف” الجيد وصناعة العطور البلدية، والمُشاركة في صنع ولائم الأفراح والأتراح مع الجارات والصديقات، وتوجيه “صرفة الصندوق النبيلة” على النحو الهادف البنَّاء الذي يقيل عثرات الأزواج ويصلح عجز الميزانية. يُحزنني جداً أن يحل محلهن جيل الأمهات العصريات النحيفات كفزاعات الطيور، الأنانيات كبخلاء الجاحظ، السطحيات كأغلفة الهدايا، المُستاءات من كل شيء والراغبات في الحصول على كل شيء دونما أي كفاح، بل دونما أي جهدٍ يُذكر. جيل الأمهات الجديدات اللاتي لا يجدن الحديث أو الخبيز أو الطهي ولا توفير الأموال ولا “تمييز الحال”، واللاتي لا يقمن وزناً لفنون التواصل ولا يفهمن في الأصول ولا يجبرن الخواطر..!
(2)
جارك الثري على الجانب الآخر من حائطك الطبقي “يقدل فوق عديله” فيحفل بالمظاهر وينتهج “الشو أب”، وجارك الفقير خلف حدود حائطه الطبقي يعمل بناءً بالأجرة في أوقات فراغه وتبيع زوجته آيس كريم “العرديب والكركدى” على بوابات المدارس، ويشتغل ابنه صبي ميكانيكي في إجازاته المدرسية، وترضى ابنته بحفل متواضع في حوش المنزل، قوام ضيافته الفول والتمر وبعض الفشار. ثم تُزف إلى عريسها – الذي يُعزِّز صنع يمينه وعرق جبينه أصالة انتمائه إلى ذات الطبقة – راضيةً مرضية. بينما تمعن في الدلال ابنتك المخطوبة – التي ربيتها أنت على أن تخرج إلى المجتمع بمظهر يفوق قدرات أسرتها المادية. من المدرسة الخاصة التي قصمت ظهرك إلى الجامعة الخاصة التي تجهز على مدخراتك – فتطلب العروس قاعة فندقية وزفة مصرية وحفل حناء على الطقوس الهندية. ثُمّ تُزف إلى عريسها وهي تمشي على فواتير ديونك، وبينما يضرب ابنك الخريج العاطل عن العمل، إلا بعد أن تنطبق شروط طبقته الاجتماعية على أية فرصة واقعية لمصدر دخل قد يُليق وقد لا يُليق وإن كان حلالاً زلالاً. وبينما تصر زوجتك على مظاهر البذخ في “فطور العريس” وتجتهد أنت في إضفاء مظاهر الترف على عشاء الحفل. ثم ترثان هَمّ الدَّين معاً وابنتكما لا تزال في رحلة شهر العسل التي أنفق عليها العريس كل ما يملك تقريباً. بينما يحدث هذا لكما يتمدّد والدا العروس الفقيرة – في الجانب الآخر من حائطك الطبقي – على عنقريبي سترة، بعد ادخار ما تبقى من “كشف العرس” وهما قانعين مبتسمين..!
(3)
يحدث هذا أو يحث ذاك لأننا – ببساطة – لا ولن نخرج على أبناء طبقتنا الأدعياء بمظهر يقل ادعاءً عن جُملة ادّعاءاتهم. ولسوف يمضي معظمنا في الالتزام بتلك الصفقة الأبدية مع ذلك النمَط المَعيش..!
صحيفة الصيحة