منذ أن غادر شهر أبريل الذي يحمل دلالات رمزية كبيرة لدى جمهور الثورة، استهل الثوار شهر مايو بمزيد من العزيمة لمواصلة الحراك الثوري تمسكاً برفضهم لانقلاب الـ25 من أكتوبر، رغم أن مايو كان أيضاً هو مواقيت انطلاق العملية السياسية التي تقودها الآلية الثلاثية الممثلة في البعثة الأممية والاتحاد الأفريقي والإيقاد، لحلحلة الأزمة السودانية عبر دعوة جميع الأطراف للقبول بمبدأ الحوار، ومنذ الأسبوع الأول لشهر مايو خرجت لجان المقاومة للشوارع في تظاهرات كانت هي الأكثر حشداً خلال الثلاثة شهور الماضية، ولم يغب أيضاً العنف المفرط وسقوط الشهداء والمصابين خلال التظاهرات رغم ارتفاع المناشدات الدولية بضرورة قبول مبادرة الآلية الثلاثية، وهو ذات الأمر الذي أغضب رئيس البعثة الأممية فولكر من استمرار العنف واستمرار الاعتقالات وقانون الطوارئ، ومما يُصعب مهمة الحوار على حد وصفه، وفي غضون ذلك شهدت خواتيم مايو تظاهرات غاضبة في منطقة الكلاكلات سقط على إثرها شهيدين بحسب بيانات لجان المقاومة ولجنة الأطباء المركزية، وكذلك شهد ختام مايو محكمة الثوار المُتهمين بقتل العميد شرطة “بريمة”، إلا أن ختام مايو كان حافلاً بقرار جديد من لدن مجلس الأمن والدفاع تم بموجبه رفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين، وهو الأمر الذي صاحبه تصعيداً ثورياً كبيراً من قبل لجان المقاومة إحتفاءاً بإطلاق سراح رفقائهم ، وفي وقت أكدت فيه لجان المقاومة استعداداتها لجولات أكثر سخونة في يونيو هذا، دون الالتفات لقرار رفع الطوارئ.
(1) على أسنة التصعيد
جاءت خواتيم شهر مايو المنصرم، وهي تحمل بين طياتها الاستعدادات الثورية لمقابلة ذكرى فض اعتصام القيادة العامة في 3 يونيو، بمزيد من التصعيد الثوري الذي تقوده لجان المقاومة. ويرى مراقبون أن الاختلاف النوعي الذي شهده جدول التصعيد الثوري في شهر مايو المنصرم والإزدياد الملحوظ في أعداد المتظاهرين، فضلاً عن استمرار القتل والانتهاكات الواسعة ضد المتظاهرين، بأنه يُنبئ بأن يونيو يحمل إرهاصات كبيرة بأن التصعيد الثوري القادم ربما يكون هو الأعنف والأقوى لما يحمله يونيو من رمزية خاصة لدى الثوار رفاق الشهداء. ولم يمضي شهر مايو دون أن يكون حاملاً معه متغيرات كبيرة في الواقع السياسي واختلافات بائنة في طبيعة الموقف الثوري عموماً من السلطة الحالية، حيث شهدت الخواتيم بجانب التصعيد الثوري المستمر تغييراً كبيراً في الخطط الميدانية لدى لجان المقاومة، حتى كاد الثوار يبلغون ساحة القصر الجمهوري رغم وجود ترسانة أمنية كبيرة، وكذلك شهدت عدد من أحياء الخرطوم وأمدرمان وبحري، تصعيداً لا مركزياً ساهم في نقل الحراك الثوري للأحياء ، وفي وقت عمت فيه ظاهرة الإضراب أوساط عدد من القطاعات المهنية ، كذلك بات الرفض الجماهيري واضحاً للاجراءات الأمنية الخاصة باعتقال الثوار، وقد حققت لجنة الطوارئ القانونية الخاصة بمتابعة قضايا المعتقلين الثوار ومحاكماتهم، نجاحاً كبيراً تم الاحتفاء به على منصات التواصل الاجتماعي، إلا أن الحدث الأكبر في شهر مايو هو جلسة محاكمة الثوار المتهمين بقتل العميد شرطة، والتي ظل يرفض حيثياتها الثوار ويعتبرونها نوعاً من أنواع تلفيق التهم ضدهم، حيث شهدت ساحة المحكمة تجمهراً كبيراً من قبل الثوار، وتم تداول لقطات مُصورة للمتهمين وهم يلحون بعلامة النصر ، صدى واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، بل ساهمت هذه الصور في تخليق حالة تعاطف شعبي كبير مع الثوار المتهمين.
(2) رفع الطوارئ
منذ الانقلاب العسكري الذي قاده البرهان وهو قائد الجيش، يتظاهر آلاف السودانيين في العاصمة ومدن أخرى للمطالبة بعودة الحكم المدني ومحاسبة قتلة المتظاهرين الذين قُتل 98 منهم وجرح العشرات، بحسب لجنة أطباء السودان المركزية وفي خواتيم مايو المنصرم، أوصى مجلس الأمن والدفاع السوداني خلال اجتماع عقده الأحد الماضي، برفع جزئي لحالة الطوارئ المفروضة في البلاد منذ 25 أكتوبر الماضي، وإطلاق سراح جميع المعتقلين بموجب هذه الحالة، وتزايدت خلال الأيام الماضية الضغوط الدولية المطالبة برفع حالة الطوارئ، حيث دعا مجلس الأمن، الثلاثاء، السلطات السودانية إلى تهيئة المناخ اللازم لإنجاح الجهود التي تبذلها الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومجموعة الإيقاد، لتسهيل الحوار بين الأطراف السودانية للوصول إلى حل للازمة المعقدة التي تعيشها البلاد منذ نحو 7 أشهر. وفي ذات السياق، قال السفير الأميركي المرشح للسودان جون غودفري أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي منتصف الأسبوع الماضي، إن على السلطات السودانية رفع حال الطوارئ لتسهيل الحوار. وتقول لجان المقاومة وجهات أخرى تقود الحراك الحالي في الشارع السوداني إن حالة الطوارئ المفروضة في البلاد حاليا تسببت في انتهاكات كبيرة خلال الأشهر الماضية. و أفاد بيان صادر عن مجلس السيادة الحاكم في السودان بأن رئيسه عبد الفتاح البرهان قرر رفع حالة الطوارئ المفروضة في البلاد منذ الانقلاب الذي قاده الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في أكتوبر الماضي. ومنذ الاستيلاء على السلطة من قبل البرهان يتظاهر الآلاف من السودانيين في الخرطوم ومدن أخرى للمطالبة بعودة الحكم المدني ومحاسبة المسؤولين عن مقتل 98 متظاهرا احتجوا على الانقلاب. ويأتي رفع حال الطوارئ أيضًا إثر تغريدة للممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بالسودان فولكر بيرتس الأحد جاء فيها، “حان الوقت لوقف العنف، حان الوقت لانهاء حالة الطوارئ”. وكانت لجنة أطباء السودان المركزية ذكرت في بيان أن متظاهرَين قُتلا السبت في منطقة الكلاكلة جنوب العاصمة. وقال وزير الدفاع الفريق يس إبراهيم يس الناطق الرسمي باسم هذا المجلس أن التوصيات التي تم رفعها إلى رئيس مجلس السيادة، وهو نفسه البرهان، تشمل كذلك “السماح لقناة الجزيرة مباشر بمزاولة البث”. وكانت السلطات حظرت عمل هذه القناة القطرية في يناير واتهمتها “بتغطية غير مهنية” للاحتجاجات في السودان. من جهة ثانية، رحّب الاتّحاد الأوروبي، بإعلان رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، برفع حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد والإفراج عن المُعتقلين، كخطوة أولى جديرة بالثناء في تهيئة البيئة المُواتية للحوار التي تشتد الحاجة إليها، كما رحّب الاتّحاد الأوروبي بقرار السماح لقناة الجزيرة مُباشر باستئناف عملياتها في السودان. ودعا الاتّحاد الأوروبي، جميع الأطراف إلى المشاركة بنشاط وبطريقة بنّاءة في جُهُود الحوار، التي تيسرها الآلية الثلاثية، التي يدعمها الاتّحاد بالكامل. قال الاتّحاد الأوروبي في بيان له: “من الأهمية أيضاً التحقيق في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان ومُحاسبة الجناة.. ندعو السلطات ضمان الإجراءات القانونية الواجبة للمحتجزين الذين يُواجهون تُهماً جنائية ضدهم وإنهاء العنف ضد المتظاهرين السلميين بشكل فعّال، مما يسمح لهم بالتمتُّع بحقوقهم الإنسانية الأساسية في التجمُّع والتعبير”. وأضاف: “الوقت الآن هو لبذل المزيد من الجهود في السودان لإيجاد طريقة شاملة ومُستدامة للخروج من الأزمة الحالية، التي تؤثر بشدة على السكان.. لذلك ندعو السلطات إلى مواصلة جهودها لخلق بيئة مُواتية حقيقية للحوار، من خلال استكمال الإفراج عن المُعتقلين منذ 25 أكتوبر الماضي”.
(3) ذكرى “يونيو” الأليمة
وبحسب مُحللين سياسيين، فإن ذكرى مجزرة فض الاعتصام التي لم تكتمل التحقيقات فيها ولم تُوجه فيها أية تُهم حتى الآن ، هي العقبة الحقيقية التي تقف أمام أية دعاوي للمصالحة والحوار، وأن لجان المقاومة تتمسك بعهدها مع الشهداء في مواصلة مسيرة الثورة إلا أن يصبح القصاص ممكناً، أو تنتهي سلطة المكون العسكري الحالي إلى قيام دولة مدنية كاملة. وبعد أن فرغ الثوار من حراك شهر مايو، يتأهب الآن الثوار لجولات قادمة في شهر يونيو والذي يحمل ذكرى مجزرة فض اعتصام القيادة العامة في عهد المجلس العسكري الانتقالي الذي يحكم الآن بعد تنفيذه انقلاباً عسكرياً على كامل الفترة الانتقالية، ورغم أن الانقلاب وبعد مُضي سبعة أشهر عجز خلالها من تكوين حكومة تنفيذية بقيادة رئيس وزراء، هاهو يضطر لإلغاء أهم قرار في انقلابه وهو قانون الطوارئ المُعلن من لدن القائد العام للجيش في صبيحة الانقلاب، وبدأ المكون العسكري أكثر تجاوباً مع فكرة الحوار بين جميع الأطراف التي تقودها الآلية الثلاثية، رغم استمراره في صعيد آخر في ممارسة أقصى درجات العنف ضد المتظاهرين الذين يرفضون الانقلاب ويطالبون بالتحول المدني الكامل. و طالبت قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي بإلغاء كل الممارسات التي حدثت نتاجًا لحالة الطوارئ، وقال المكتب التنفيذي للحرية والتغيير في بيان أصدره بأنه يجب إلغاء ووقف إطلاق يد القوات الأمنية وما منحت من حصانات لقمع الشعب بصورة وحشية، وتعديها على الحقوق والحريات العامة، والاعتداء على المواكب السلمية، ومنع الفعاليات السياسية والإعلامية. وقال البيان: “يجب أيضًا إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين دون استثناء، وعدم استخدام القانون الجنائي لتصفية الحسابات السياسية، ووقف كل أشكال الاعتقالات التعسفية وضمان ذلك بآليات معلومة ذات موثوقية، ومساءلة المتسببين في اغتيال الثوار وكافة المدنيين الأبرياء في جميع أرجاء السودان”. ورصدت كذلك صحيفة (الجريدة) تعليقات كثيفة في صفحات لجان المقاومة على فيس بوك، تدعو الثوار لعدم الالتفات لقرارات البرهان برفع حالة الطوارئ، وتطالب الثوار بالاستعداد لملاحم ثورية أقوى وأكبر في ذكرى فض الاعتصام في 3 يونيو المقبل.
صحيفة الجريدة