“نحَن نَحْتَكِم إلى هذا الوطن، ونَكتُب للتاريخ الذي لا يُغفل شَيئاً”.. الكاتبة..!
هل لنا بفاعل خيرٍ يدُلنا على منطقةٍ وسطى في فضاء التصنيف، يَلوذُ بها من يقول نقداً بكلمة حقٍ بشأن فعلٍ أو قولٍ قد يصدر عن أي مسؤول في حكومة، أو أي سياسي في معارضة، دون أن يتم تصنيفه بأنه عميل متآمر وخارج على الحاكم، ودون أن يتم تصنيف نقده الموضوعي في شأن يخص وطنه بأنه قدحٌ في رمزٍ من رموز الثورة..؟!
ما هو المعيار الذي ينبغي الاحتكام إليه في تصنيف الفعل الثوري، وبالتالي تقسيم الثوار إلى رموز ثورة، وثوار عاديين، و”ثوار ساكت”؟. هنالك، مثلاً، فنانات شعبيات – يطلق عليهم البعض لقب “قونات” – كُن شجاعات جداً في مواقفهن من حكومة الإنقاذ، وكُن باسلات جداً في وقفاتهن مع الثوار. وبعضهن خرجن على جماهيرهن بأغانٍ وطنية تدعم الثورة في عز جبروت نظام الإنقاذ. أي أنهن قد غامرن بمواقفهن السياسية الصارخة من حكومةٍ لم تسقط بعد. حكومة ظالمة كان من المُحتمل وقتها أن لا تطيح بها هذه الثورة، وكان من الجائز حينها أن تكبح هي جماح تلك الثورة. وكان من المُمكن أن تبقى بعد ذلك طويلاً، أن يبقى بطشها، أن تطالهن بعض شرورها. أليس كذلك؟!. لكنهن رغم كل شيء فعلنها. فهل تم وضع أسمائهن – تبعاً لذلك – في خانة الممنوع من النقد؟. أو تم وضع أفعالهن – الخاطئة إن وجدت – في خانة الممنوع من الصرف..؟!
ما هو مفهوم البطولة السياسية وما هي مقومات الأفعال الثورية، ثم ما هي مُوجبات الجدارة باستحقاقها، في ظل سيطرة أوهام النخبة – واستعلائية المثقفين – في مُجتمعاتنا على هذا المعنى؟. كانت حواء “الطقطاقة” – على سبيل المثال – تظهر عبر وسائل الإعلام وهي تسرد تاريخها الوطني الحافل فيتم حجبه خلف ذلك الإطار الهازل الذي كانت تُصِرْ برامج التلفزيون وحوارات الصحف على أن تحشر حضورها الإنساني داخله حشراً، ولو كانت كادراً شهيراً في حزبٍ سياسي لما فعلوا. إنه – بكل بساطة – استعلاء المثقف الذي يفكر ويحكم ويقرر إنابة عن الآخرين..!
في معرض تعقيبي على إحدى أوراق مؤتمر الإعلاميين بالخارج – الذي انعقد سنوات في الخرطوم – أشرتُ إلى مُعاناة “الكاتب اللا مُنتمي” الذي تعتبره حكومة الإنقاذ يسارياً حينما ينتقدها، والذي تعتبره المعارضة “يمينياً” عندما ينتقدها. وكيف أنه قد يدفع – غالياً – أثمان مواقفه المبدئية ورؤيته المُتماسكة لذاته أولاً ثم لمُختلف القضايا والمواقف السياسية من حوله..!
أما اليوم فقد أخذت حكاية التصنيف على أساس النقد بُعداً جديداً، حيث يكادُ أن يَعبُر بك مَن يقوم بتصنيفك إلى ضفاف الازدراء الفكري، وهو شأن يواكب موضة الاستعلاء الثوري المذكورة آنفاً في صدر هذا المقال. إنه وهم المثقف الذي يسعى إلى تنصيب نفسه وَصِيّاً على الحرية والثورة، أو رسولاً للحقيقة، أو قائداً للمُجتمع، أو قاضياً بالعدالة..!
حسناً، ما هو المطلوب؟. أن لا يعود حكم الإخوان، أن لا يكون هذا الشعب مكرهاً على الدوران حول أصنام الإنقاذ؟. جميلٌ جداً، ولكن ما الذي قد يستفيده ذات الشعب من صناعة أصنام جديدة..؟!
صحيفة الصيحة