كان جنرالات الانقلاب يدركون قبل تنفيذ انقلابهم، أنهم ليس بمقدورهم مع محدودية قدراتهم ادارة الدولة دون سند سياسي، فكان أن سعوا في البدء لصناعة جماعة اعتصام القصر واتخاذها حاضنة لهم، ولكن بعد تنفيذ انقلابهم المشؤوم وتسلمهم كامل السلطة وممارستها عمليا لبضعة شهور، اكتشفوا خيبتهم فيهم على قول المثل (جبتك يا عبد المعين تعيني لقيتك يا عبد المعين عايز تتعان)، فتلفتوا يمنة ويسرى وضربوا أخماسا في أسداس وفجأة صرخوا على طريقة ارخميدس (وجدتها وجدتها)، يعنون الحاضنة السياسية، ولم تكن حاضنتهم السياسية التي هللوا لها بوهم أنها المؤهلة إداريا وفنيا وخبيرة بشؤون إدارة الدولة، سوى حركيو الاسلام السياسي وفلول النظام البائد، وقد زين لهم هذا الوهم بعض الزلنطحية وأذناب النظام الذين تمرغوا في تراب الميري وأفادوا منه، فسارع جنرالات الانقلاب الى عقد صفقة سرية مع حركيي الاسلام السياسي وفلول النظام البائد يصبحون بعدها حاضنة سرية وخفية لهم ترشدهم وتوجههم من وراء ستار، وقضت الصفقة كما تابع الجميع اطلاق سراح رموز النظام البائد واعادة جميع عناصرهم الذين فصلتهم لجنة ازالة التمكين لحصولهم على الوظائف بطرق غير مشروعة، واعادة اراضيهم وعقاراتهم وأملاكهم وأموالهم التي اكتنزوها عبر الفساد، وفتح الأبواب مشرعة أمامهم لممارسة نشاطهم المعادي للثورة، وليس أدل على ذلك من تكاثف نشاطهم العدائي بعد الانقلاب والذي توج أخيرا بحوار كرتي المصنوع لهذا الغرض..فأي تأهيل اداري وفني وأية خبرة في ادارة شؤون الدولة يحوزها هؤلاء الذين جثموا على صدر البلاد ثلاثين عاما حسوما كانت كفيلة بأن تضعها في مصاف الدول المتقدمة، فاذا بهم يتردون بها الى الحضيض الذي يكشفه وضعها الحالي الذي يغني عن أي سؤال، (قال مؤهلين وخبيرين بشؤون ادارة الدولة قال)، اللهم الا أن تكون خبرة في الخراب واللغف والفساد والنهب المصلح والفشل والقتل والظلم، والحساب ولد.. أنها ثلاثين عاما من الفشل والانهيارات والفساد وبيع مؤسسات الدولة وتبديد مواردها وتجنيب المال العام وسرقته من قبل المقربين والمحاسيب وقطط المؤتمر الوطني السمان وبطانته من الطفيليين، فساد قضى على الأخضر واليابس، وأحال البلاد الى قفر ويباب وأورث الناس المسغبة والشقاء والعناء، رغم المداخيل الكبيرة التي وفرها البترول قبل انفصال الجنوب، فقد كان النظام البائد الذي صنعه حركيو الاسلام السياسي عبر انقلابهم المشؤوم، هو النظام الأطول عمرا والأكثر فسادا والأوفر فشلا في تاريخ القارة السمراء ان لم نقل في تاريخ العالم، وقائمة الفشل والقتل وسفك الدماء والابادة الجماعية واذلال الناس والسرقة والنهب، واستيراد حاويات المخدرات، وتدمير المؤسسات والمشاريع القومية، نذكر منها مشروع الجزيرة، السكة حديد، النقل النهري، النَقل الجوِي، الخدمة المدنية، النقابات والاتحادات، القوات النظاميَة، القضاء، احياء القبلية والاثنية والجهوية المنتنة والبغيضة الخ الخ، فقائمة الفشل والدمار طويلة لا تسعها كامل مساحة هذه الصحيفة، ولهذا نقول باختصار لقد عم فشل النظام البائد وظلمه وفساده كل أجزاء الوطن، فأي خبرة في كل هذا الخراب، اللهم الا أن تكون خبرة البوم البعجبو الخراب على رأي المثل..
صحيفة الجريدة