قُلنا في مقالنا الأول بهذا العنوان أعلاه، إنّ الحزب الشيوعي حزبٌ عريقٌ في السودان، ومن أوائل أحزاب اليسار في أفريقيا، بل من الأحزاب الطليعية في أفريقيا والشرق الأوسط، وقُلنا رغم ذلك يحجز دائماً مقعد المُعارضة ولو كان في موقع الحكومة، وقُلنا إنّ أي حزب في الدنيا يسعى للحكم وهو الأصل، والمُعارضة وضع استثنائي، وقُلنا إنّ الحزب لا يتجدّد كثيراً وخاصةً في المُمارسة رغم وجود عناصر له من الشباب من الجنسين، بل لا يُميِّز بين علاقاته الخارجية هل مع الحكومات أم مع ناشطين.؟
وهنالك الكثير من المُلاحظات التي يُمكن أن يراجع الحزب نفسه وسوف ننظر في ذلك في مقالات أخرى عندما نراجع وضعنا الحزبي السوداني.
وهنا ننظر في رحلة ثلاثة من قياداته على رأسهم السكرتير العام إلى كاودا رئاسة الحركة الشعبية بقيادة الحلو عبر دولة جنوب السودان، وذلك من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته هذه القيادات، وما قالته آمال الزين تلخيصاً لهذه الرحلة…
أولاً لماذا الرحلة عبر دولة جنوب السودان وفي ذلك حرجٌ لحكومة جنوب السودان التي لها علاقة جيدة مع حكومة السودان، وكذلك لها علاقة جيدة مع الحركة الشعبية، ولكن هنالك فرقٌ كبيرٌ بين علاقة الدولة بدولة وعلاقتها بحركة.
ثانياً لماذا لم تتم الرحلة عبر كردفان وهي أرضٌ سودانيةٌ وسهل الوصول لمقر الحركة من نفس دولتهم.
ثالثاً اجتمعت القيادات الثلاثة مع قيادة الحركة واتّفقت على أمور مهمة تضع الحزب تحت طائلة القانون، ولكن فلنناقش الاتّفاق سياسياً من الأمور التي اتّفق عليها، منها إنشاء مركز مُعارضة مُوحّد في الخرطوم ماذا يعني، هل الحزب حمل السلاح أم الحركة تركت السلاح؟ وكذلك ما أثر ذلك على حلفائهم في الحرية والتغيير المركزي وتجمُّع المهنيين وبعض لجان المقاومة وبعض مكونات المُجتمع المدني وهم جميعاً الآن معارضة بعد ٢٥ أكتوبر.
رابعاً تضمن الاتفاق حق تقرير المصير أو الوحدة الطوعية وهل يملك الحزب أن يتّفق على حق تقرير المصير، وهو تقدير قومي يتفق عليه أهل السودان وفق إجراءات معروفة وخطوات يُنظِّمها القانون والبُعد الشعبي ومكانه بعد الانتخابات لدى حكومة مُنتخبة.
أيضاً ربطوا حق تقرير المصير بفصل الدين عن الدولة، وهو أيضاً أمرٌ يخص كل السودان ومكانه المؤتمر الدستوري بعد الانتخابات وليس اتفاقية جزئية، كذلك هل من مطالب إقليم جبال النوبة والذي قامت الحرب من أجله فصل الدين عن الدولة أم هي مطالب تخلف ونقص خدمات وتنمية وحقوق مواطنة؟ وما دخل الأيديولوجيا في مطالب أهل وسكان الإقليم، خاصةً وانّ بينهم التنوُّع الديني والعرقي وأغلبهم يُدين بالإسلام مع وجود أديان وملل أخرى.
وأعتقد أن هذا الأمر أخرج أهل الإقليم من صمتهم، ولذلك صدرت بيانات من بعض أبناء الإقليم وخاصةً النوبة برفض هذا البند، لأنّه ليس مما يُطالبون به أصلاً، هذه أشواق الحزب الشيوعي وبعض العلمانيين في الحركة لا رغبة أغلب شعب النوبة.
أيضاً من أخطاء رحلة كاودا أنها جعلت الحزب في مرمى نيران أصدقائه قبل أعدائه، بل جزء منها صب لصالح خُصوم الجميع وقنطر الحزب في مواجهة نيران مختلفة أقلها المطالبة بتطبيق قانون الأحزاب.
عليه، إن لم تذهب الى الأقصى، خاصةً وأنّ الحزب جزءٌ من النظام السابق لأنّه شريكٌ في اتفاقية نيفاشا مكث ست سنوات جزء من السُّلطة آنذاك ولو كان عبر بوابة الحركة الشعبية، ولكن أحمد وحاج أحمد واحد في العمل السياسي.
أيضاً من أخطاء الحزب أنه وافق على حق تقرير المصير عرقياً وليس جغرافياً وفي ذلك محطة صراع جديد داخل الدولة الجديدة إذا قامت حرب أيضاً بين مكونات المُجتمع ولو لم يتم ذلك لأنه نبّه الآخرين أنّ هنالك جزءاً من مكون عرقي أيديولوجي يعمل على حق تقرير المصير، وذلك على حساب المكونات الأخرى بما في ذلك بعض مكون النوبة الذي لا ينتمي إلى عقيدة وتيار الحزب الشيوعي.
أخيراً، أعتقد أن رحلة كاودا كانت مُضرّة جداً بالحزب الشيوعي أقلها أنها نبّهت الدولة أنّ الحزب الشيوعي نقل العمل المدني إلى سوح عسكرية قد تكون الخرطوم مسرحاً لها ووضع الحزب تحت الرقابة من جهاتٍ كثيرةٍ، منها خصومه التقليديون التيار الإسلامي، ناهيك عن آخرين منهم الجهاز الحكومي الرسمي.
ومن أخطاء كاودا أن الحزب الشيوعي رفض حل الثلاثية وهو ذهب كاودا على ظهر الثلاثية ولو على طائرة من قبيلة الثلاثية، ناهيك عن أخرى.
عليه، هذا قليلٌ من كثيرٍ من كاودا والحزب الشيوعي، ولم نتطرّق لعبد الواحد والحلو الحزب الشيوعي//// الآن ولكن ننظر فيه في المقال الثالث. ثم نرى المآلات، ولكن أهمس إلى أصدقائي ساسة السودان عموماً أن المعادلة السياسية عموماً في السودان تغيّرت كماً وكيفاً وكونه العمل السياسي حصرياً قد انتهى وصارت الممارسة السياسية عملاً مشاعاً، لأنّ اللعب السياسي في السودان صار في ميدان مكشوف يعني (الفي الدبة بيشوف البدبا).
صحيفة الصيحة