صلاح الدين عووضة يكتب : الكهف!!

أو أهل الكهف..

لا كهف أفلاطون ذي الظلال التي هي انعكاس للعالم الحقيقي بفعل شعاع ضوئه..

والظلال هذه – بما فيها ظلال البشر – في فجوةٍ منه..

ولا يدركون حقائق الأشياء – وأنفسهم – إلا حين خروجهم من فجوة هذا الكهف..

سواء بفعل قُوة العَقل… أو قُوة الموت..

وإنّما سورة الكهف…. والتي تأسرني جداً..

فهي ذات إبداع بلاغي… وزماني… ومكاني… وروائي… وما ورائي..

ذات إبداعٍ من ذلكم كله فريد..

وفيها إشارة – عرضاً – لحال الموت الذي يخشاه الجميع حين يختفي الزمان..

رغم أنّ انتفاء الزمان هذا من شأنه تخفيف وطأة الخوف..

فلا زمان بلا حركة؛ والعالم الغيبي لا حركة فيه… ولا مكان… ولا زمان..

وإن مات الإنسان فلا يشعر إلا بحركة قيامه يوم البعث حياً..

وفي آية من كتابه يشرح لنا رب العزة جانباً من حقيقة الموت لنفهمه..

وهي (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا)..

فالذي مات قبل ألف سنة من البعث كأنما كان نائماً (ساعةً من نهار)..

ويستوي في ذلك مع الذي مات قبله بيوم..

والنوم هذا نفسه شبه الحق به الموت في آية أخرى..

آية (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها)..

فالإنسان – إذن – يخوض تجربة الموت كل يوم عند نومه؛ ثم تجربة البعث..

والنوم العميق لا يحس الشخص معه بعامل الزمن..

تماماً كما لا يحس به خلال موته… ويظن أنه لم يلبث إلا (يوماً أو بعض يوم)..

ولا يحس حتى بزمان حياته في الدنيا؛ وإن كان مئة عام..

وما ذاك إلا لأنّ حركة الآخرة ليست كحركة الدنيا… ومن ثم الزمان لا كزمانها..

ولو كان هناك عذاب في القبر لما صُعق الكفار بالبعث ..

ولتمنوا أن يظلوا في مرقدهم الذي لا شعور فيه… ولا عذاب… ولا زمان..

ولكان فرعون أحق من غيره بهذا العذاب..

ولكن الله يقول بشأنه (النار يُعرضون عليها غدواً وعشياً)..

ثم يمضي قائلاً – سبحانه – (ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب)..

يُعرضون بهيئاتهم التي تحدث عنها المولى قبل الخلق..

وذلك حين يقول في كتابه العزيز (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم)..

ويضيف (وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى)..

ولكن وجودنا (القبلي) هذا في الأزل لا أحد منا يحس به… أو يعلمه… أو يذكره..

ولكنه وجود (موجود) في هيئة فطرة لا معالم لها..

بمعنى أن هيئة فطرة فرعون تُبشر بمصيرها يوم البعث وقد قالت من قبل (بلى)..

وأشهده – الله – على مصيره هذا..

بمثلما أشهده قديماً على وجوده – ربَّاً له – بهيئته الفطرية..

ومحاولة تخيُّل فعل زماني للميت هي كمحاولة تخيُّل حراك زماني قبل الخلق..

وإن كان هذا لا ينفي الوعي… كما لا ينفي الأحلام..

فالزمان لم يوجد إلا بعد خلق الكون… إلا بعد وجود حركة؛ فلا زمان بلا حراك..

ويبقى خالق الكون هذا – وحده – في اللا زمان..

والعقل الذي لا يعي المكان والحراك لا يعي – بداهةً – الزمان..

مثل عقل الميت… والنائم… وأهل كهف الزمان الغابر..

وبعض أهل كهف الزمان الحاضر..

ممن يعيشون في فجوةٍ منه… ويبعثون أحدهم بورق أفكارهم إلى سوق الراهن..

وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد؛ يحرسهم..

أو يحرس الذين يحرسون هم أنفسهم معتقداتٍ غابت عن المواكبة سنين عددا..

ويتقلبون عليها ذات الشمال..

ومثلهم من يحرسون معتقداتٍ تناقض منطق العصر؛ ويتقلبون عليها ذات اليمين..

كلهم يعيشون – أو بالأحرى ينامون – بعيداً هناك..

في الكهف!!.

صحيفة الصيحة

Exit mobile version