في الأشهر الأخيرة لوحظ انحسار النشاط الصناعي في السودان، لأسباب متعلقة بالتضخم الاقتصادي وغيرها من الإشكالات، كارتفاع تكاليف الإنتاج وقلة الطلب ما أدى إلى عزوف المستثمرين، فوفق آخر إحصائية حكومية، يبلغ عدد المصانع نحو ستة آلاف و660 مصنعاً، أغلبها يعود للقطاع الخاص.
ويعد قطاع الصناعة في السودان صغيراً نسبياً، فالصناعات التحويلية والتعدين يسهمان معاً بأقل من ثلث الناتج المحلي للبلاد، كما يستخدم فيهما نسبة قليلة جداً من الأيدي العاملة، أما الصناعات السائدة، فهي إنتاج بعض الأغذية والمشروبات، وتكرير السكر، وإنتاج الزيوت النباتية، وصناعة الصابون، والمنسوجات القطنية، كما ينتج السودان الأحذية والأسمدة الكيماوية والأسمنت، ويدخل تكرير النفط أيضاً ضمن النشاط الصناعي، ويبلغ معدل نمو إنتاج القطاع 2.5 في المئة فقط.
ومنذ ثلاثة أشهر، وبحسب خبراء اقتصاديين، انحسر النشاط الصناعي بنسبة تتراوح بين 30 إلى 40 في المئة، ما تسبب في ارتفاع نسب البطالة بين الشباب، بعد إغلاق عدد من المصانع أبوابها لعدم استطاعتهم توفير مرتبات العمال.
عوامل عدة
ارتفاع تكاليف الإنتاج لم تكن سبباً أوحد لتوقف الأنشطة الصناعية، بل هناك عوامل عدة أثرت على الإنتاج، وجعلت كثيراً من المصانع تغلق أبوابها للأبد، على الرغم من نجاحها لفترات طويلة. وتتعلق هذه الأسباب بقطاع التيار الكهربائي، مع شح موارد الطاقة كالسولار والبنزين، وارتفاع التكاليف لرسوم الخدمات والجمارك، وعدم توفر النقد الأجنبي لإتمام عمليات الاستيراد.
الخبير الاقتصادي محمد الماحي يقول، إن “أصحاب المصانع أصبحوا يواجهون ضغوطاً كبيرة لتسيير العمل، لكن الدولة أصبحت تضغط عليهم بصورة كبيرة وغير هينة، حيث يوجد أكثر من 500 مصنع خرجت من الخدمة في الفترة الأخيرة، على الرغم من تحقيقها إيرادات عالية نسبياً في فترات سابقة، وهذا دليل على أن سوء الأوضاع الاقتصادية هي التي فرضت عليها هذا الأمر”.
وعن الأسباب التي أدت إلى تدهور القطاع في السودان، يضيف الماحي أن “سياسات الدولة منذ القدم لا تهتم بتطوير المجال. والحصار الاقتصادي أسهم في زيادة الإشكالية، وجعل أصحاب المصانع يواجهون ضغوطاً كبيرة دون أي عون خارجي، خصوصاً في ما يتعلق بصيانة الأجهزة والمعدات وتدريب العمال وتطوير المنتجات وحتى التصدير والتوزيع داخل السوق السودانية”.
ويرى الماحي أن “تدهور القطاع واستمرار انحساره سيزيد من صعوبة رجوعه كالسابق، خصوصاً أنه لم يكن في أحسن حالاته، وتسيطر جهات بعينها عليه دون الأخرى أيضاً لأسباب سياسية” موضحاً أن “رسوم الخدمات والجمارك أصبحت تشكل مشكلة كبيرة على المستثمرين الذين هربوا من القطاع بسببها خصوصاً أنها تأخذ النسبة الأعلى من الأرباح ولا تقدم خدمة جيدة”.
أسعار الصرف
ارتفعت قيمة التعرفة الجمركية لمعظم السلع بنسب كبيرة للغاية، مع ارتفاع قيمة الدولار الجمركي التي تعادل 445 جنيهاً للدولار الواحد، بعد أن كانت 18 جنيهاً. يقول عباس جاد الله، صاحب مصنع، إن “عدم الاستقرار في البلاد تسبب في خسارته بنسب كبيرة، خصوصاً أنه متعلق ليس فقط بالاستقرار الاقتصادي، بل حتى السياسي، حيث أسهم إغلاق الميناء الرئيس في البلاد لفترة طويلة لفرض خسارات كبيرة على أصحاب المصانع الذين اضطروا لتخزين بضائعهم المستوردة في الموانئ التي ارتفعت نسبة رسوم الأرضيات فيها لأكثر من 300 في المئة، مما كبدنا خسائر هائلة أجبرتنا على تصفية المصنع جزئياً”.
عدد من الاقتصاديين السودانيين طرحوا مبادرة حلول تهدف لإنقاذ قطاع الصناعات في السودان من الانهيار، لاتباعها وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، إذ قال المهندس محمد علي، إن “عدد المصانع التي بدأت تخرج من خط الإنتاج كبيرة بشكل لا يستهان به، وهذا الأمر سيلحق أضراراً حتى على الدولة التي ستجد نفسها مضطرة لاستيراد أبسط المتطلبات من الخارج بالعملة الصعبة”.
وقال علي إن “الأمر يتعلق بتطوير القطاع بصورة مستمرة واستثنائيه من المشكلات الاقتصادية والسياسية مع توفير بيئة عمل جيدة لاستقطاب الشباب للعمل، وخلق منافسة شريفة، خصوصاً بعد أن أصبح القطاع، في فترة من الفترات، يتأثر بمن هو الأكثر قدرة على التقرب من المسؤولين وتقديم مصالح مشتركة”.
إندبندنت عربية