سليمان الماحي يكتب : القمح والبنك الزراعي

ما لا يخفى الآن هو أن العالم بأسره في هذه الأثناء يقف على رجل واحدة مرعوبا مهموما عما تسفر عنه الحرب الروسية التي تدور رحاها في الأراضي الأوكرانية من نتائج كارثية تبلغ ذروتها بوقف تصدير القمح حبوبا أو طحينا الى العديد من الدول لاسيما الدول العربية حيث يشكل القمح مصدرا مهما لأمنها الغذائي .

وإذا ظلت الأمور سائرة على نحو ما هي عليه الآن فإن تلك الدول التي تطعمها دولتا الحرب قمحا فان من المتوقع أن تكون عرضة لمجاعة محتملة أو ربما هي الآن تعاني من حدوثها غير أن ما يلفت الانتباه في تلك الوضعية الغذائية المقلقة هو عدم امتثال البنك الزراعي السوداني لطموحات منتجي القمح في مشروع الجزيرة والمتمثلة في الحصول على أسعار شراء لمحصول القمح تكون مقنعة لهم ومحفزة لمتطلبات العمل في المزارع .

صحيح أن فرع البنك الزراعي في مدني أصدر بتاريخ 26 مايو الجاري تعميما أكد فيه رغبته لشراء محصول القمح الذي تم إنتاجه في هذا العام لكنه حدد لذلك بعض الشروط التي تضمنت حض المزارعين على الالتزام بالآلية المتبعة في تعبئة القمح سواء في الجولات المصنوعة من الخيش أوالبلاستيك على أن يكون وزن الجوال الواحد المعبأ 100 كيلو جرام وليس أقل من ذلك .

لكن التعميم رأى فيه المزارعون ظلما لجهودهم المضنية التي بذلوها لزراعة القمح وأصابهم بالقلق وعدم الراحة وشحن نفوسهم بكراهية جعلتهم يعافون القمح أكلا ويكرهونه زراعة عندما حدد أسعار شراء أقل من الشيء المطلوب لتغطية كلفة عمليات الزراعة ناهيك عن تحقيق أرباح مجزية تعين المزارع على سداد الديون المستحقة لفائدة البنك الزراعي ذاته وأيضا الوفاء بالالتزامات الأسرية الشائكة بالغلاء مثل المعيشة والصحة والتعليم علاوة على المتطلبات التي تفرضها المناسبات الاجتماعية .

ولكن متاعب المزارعين مع تعميم البنك الزراعي لا تنتهي عند ذلك الحد أي قلة أسعار الشراء وإنما يضاف إليها الشرط المتعلق بتسليم المزارع لمحصول القمح عند الشراء في موقعين هما مطاحن غلال الباقير أو مدينة جياد الصناعية وبحسب المزارعين – الله يكون في عونهم – فإن عملية تسليم الإنتاج التي حددها البنك تكون شاقة ومنهكة جسديا ومرهقة ماديا إذ كلتا المحطتين تبعدان كثيرا عن مناطق الإنتاج مما يجعل عملية الترحيل باهظة التكلفة وتثقل كاهلهم بالتزامات مالية مضاعفة تضطرهم لبيع ما عندهم من الممتلكات إذا ما أرادوا تجنب الاستدانة النقدية من البنك الزراعي .

وتأسيسا على ذلك فإن السودان الذي يصنف في ( ونسة المقاهي ) على أنه يتمتع بمزايا زراعية طبيعية وفي جعبته تجارب ناجحة في مجال زراعة القمح المأمول أن يكون مؤهلا ليحقق الاكتفاء الذاتي في مجال إنتاج القمح وأيضا لسد احتياجات الدول الأخرى الشقيقة والصديقة وفي ضوء المعلومات المتوفرة نجد أن إنتاج السودان من القمح في أحسن الأحوال يقدر بمليون طن مقابل استهلاك يساوي مليوني طن قمحا سنويا .

وتنبه تلك الفجوة الغذائية المتمثلة في ( المليون طن ) إلى أن الدولة أي السودان تعتمد في الوقت الراهن على القمح المنتج في روسيا لتغطية تلك الفجوة الاستهلاكية من القمح سنويا وبذلك يكون السودان واقعا في قلب المشاكل الغذائية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية وتلك معضلة لا يمكن تجنبها إلا بشيء واحد لا ثان له وهو أن يكون القمح على سلم أولويات النشاط الزراعي للدولة واعتباره أرضية ينطلق منها السودان في سعيه لتحقيق الأمن الغذائي .

لا بأس أن نتصفح الإحصاءات الرسمية ذات الصلة بالقمح السوداني حيث تبلغ المساحة المزروعة قمحا في ولاية الجزيرة 423 ألف فدان موزعة على مشروعي الجزيرة والمناقل وقد حقق الفدان إنتاجية غير مسبوقة بلغت في بعض الأقسام 32 جوال بينما بلغت الإنتاجية في عموم المشروع بين 18 إلى 20 جوال للفدان ويضاف الى ذلك جهود بعض ولايات السودان الأخرى التي تهتم بزراعة القمح وقد حققت إنجازات مهمة في ذلك مثل النيل الأبيض و الشمالية وكسلا.

ونشرح أكثر الى أن ما تحقق من إنتاج قمح غير مسبوق في الموسم الزراعي الأخير يعد جهدا يثير الإعجاب ويبعث على الاطمئنان و بالتالي يستحق الانحناءة شكرا وتقديرا للمزارعين الذين كانوا وراء ذلك الانتاج الزراعي الكبير وهو انجاز يستحق تكريم من صنعوه وتحفيز المزارعين بأسعار شراء تعجبهم وخدمات تدعمهم وأجهزة حديثة تمكنهم من تطوير زراعة القمح والوصول بها إلى انتاج يجعل السودان في مأمن من النقص الغذائي وتمزيق فاتورة استيراد القمح من الخارج بل جعل السودان وجهة زراعية غذائية شهية يقبل عليها الآخرون .

صحيفة الانتباهة

Exit mobile version