تفاصيل الخديعة الكبرى التي تعرض لها الرئيس المخلوع ببورتسودان
مستند يكشف كيف تلاعبت الإنقاذ بقوانين ولوائح الخدمة المدنية لصالح منسوبيها
استيراد (6) مولدات (خُردة) من دبي لمحطة تحلية المياه ببورتسودان
معدات محطات المياه المدمجة بعبري ودلقو والبرقيق والترعة ملقاة في الخلاء منذ (8) سنوات!!
مستند يكشف كيف تلاعبت الإنقاذ بالخدمة المدنية
**القرارات العشوائية التي تفتق عنها ذهن نظام الإنقاذ البائد بحل وتذويب كثير من الهيئات والمؤسسات الحكومية، ألقت بظلالها الداكنة على أدائها ما تسبب في تخبط قراراتها وفشلها وتحولها إلى (عالة) على الدولة، وأفقدت المواطنين الخدمات المهمة التي كانت تقدمها لهم .. أخطر قرارات العهد البائد على الإطلاق القرار الجمهوري رقم (1155) الذي أصدره الرئيس المخلوع بحل (الهيئة القومية لمياه المدن)، و(الهيئة القومية لمياه الريف).. هذا القرار الذي يرى فيه الكثيرون أنه المسؤول الأول عن العطش الذي تعاني منه حالياً العاصمة القومية والولايات .. ورغم أن أصابع الاتهام بموجة العطش التي ضربت أحياء العاصمة ومدن الولايات تشير إلى هيئة مياه الخرطوم والهيئات المماثلة لها بالولايات، لكن هذا غير منصف إذ أنها هي الأخرى تعاني ما تعاني من إفرازات القرار الجمهوري الكارثة، حيث تقلصت صلاحياتها وميزانياتها وتشردت كفاءاتها من مهندسين وفنيين بوزن الذهب في صناعة المياه .. فما حقيقة القرار الجمهوري رقم (1155)؟ .. وكيف عصف بمنظومة المياه بالعاصمة والولايات، وأصبح باباً واسعاً للتجاوزات الإدارية والمالية ونهب الأموال المخصصة أصلاً لترقية وتحديث أنظمة المياه المختلفة بكل أرجاء البلاد؟ .. وما ملابسات وتفاصيل استيلاء بعض النافذين الإنقاذيين على القروض الأجنبية التي تفضلت بها بعض الهيئات والمؤسسات الأممية، لحفر آبار جوفية في دارفور أكثر المناطق عطشاً بالبلاد؟ .. وكيف تحولت مرافق مياه الشرب بالبلاد لإقطاعية لبعض مسؤولي النظام البائد وأتباعهم؟ .. (الحراك) تجيب عن هذه الأسئلة والتساؤلات وغيرها عبر هذا التحقيق الاستقصائي**.
رهيد البردي
(مشروع مياه رهيد البردي)، يقع بولاية جنوب دارفور، غرب عاصمتها نيالا، على طريق منطقة (أم دافوق) المجاورة لأفريقيا الوسطى، المنطقة تعد من أكثر مناطق دارفور معاناة من العطش ولذلك تقرر إرواء ظمأ أهلها بتأسيس (مشروع مياه رهيد البردي) قبل (7) سنوات، ومصدر المياه الخاصة بالمشروع (وادي طوال) ويقع على بعد (23) كيلو من منطقة (رهيد البردي) ويحتوي على مياه جوفية بكميات كبيرة.. ولكن للأسف المشروع تعثر، بل فشل ولذلك ظل سكان منطقة رهيد البردي يلهثون من العطش حتى يومنا هذا.. فالدراسات التي عملتها الهيئة الاتحادية للمياه أيام الإنقاذ قبل حوالي (7) سنوات صاحبتها أخطأ كثيرة حسب أحد المهندسين الذين عملوا لفترة في المشروع، طبيعة الأخطاء تتمثل في مواقع حفر الآبار، حيث تم حفر بعضها في باطن الوادي بحيث لا يمكن الوصول إليها في الخريف.. كما أن الخط الناقل من وادي (طوال) إلى رهيد البردي بطول (23) كيلو اكتشف أن به عيوباً تصميمية ولذلك لا يستطيع توصيل المياه من الوادي، حيث أنه شيد بمواسير (8) بوصة وتعد مواسير صغيرة خاصة وأنه يفترض أن ينقل مياهاً كثيرة ويقطع مسافة طويلة، وبذلك فهو لا يصلح لنقل المياه حتى قبل تجربته.. وحسب بعض المهندسين فإن المعالجة يمكن أن تتم بقطع الخط الناقل وتركيب طلمبة دفع في منتصف المسافة بين وادي (طوال) و(رهيد البردي).. والمعالجة الثانية تتمثل في زيادة حجم المواسير لأكثر من (8) بوصة، والخياران يمثلان تكلفة وأعباء مالية إضافية على المشروع تتحملها وزارة المالية الاتحادية بصفتها ممول المشروع.
ورغم أخطاء التصميم تم عمل عطاء رسا على شركة هندسية للحفريات خاصة وتم توقيع العقد بتاريخ 4/4/2015م، ومدة العقد سنة لكن حدث له تعديل في 22/12/2015م على مواصفات الطلمبات والمولدات الخاصة بالمشروع وكل الملحقات الأخرى.. كما أشارت الشركة المنفذة لبعض التحديات والمعوقات التي تواجهها منها على سبيل المثال: عدم وجود التصاميم التفصيلية لمكونات المشروع، بجانب معوقات الخريف للعمل، ولذلك تم تمديد العقد ستة شهور إضافية..وبما أن الشركة فازت بالعطاء لتنفيذ مشروع مياه رهيد البردي فكان يفترض إلزامها تنفيذ العقد..المهم عقد الشركة التي كان يفترض عليها إنجاز المشروع انتهى، لكن نسبة التنفيذ كانت (60) في المائة، حسب تقديرات إدارة العقود…. باختصار المشروع توقف ولم ينفذ رغم أن الشركة قبضت مبلغاً مالياً كبيراً مقدماً،علماً أن قيمة العقد لمشروع مياه رهيد البردي كانت (9) مليارات و(408)، و(625) جنيهاً سودانياً، وهو مبلغ كبير للغاية ذلك الوقت.. ولا يزال أهلنا برهيد البردي يكتوون بنيران العطش، بعد أن كانوا يحلمون بمياه وفيرة صحية غير ملوثة تنساب لهم بصفة دائمة من وادي (طوال).. وهم يشكون لله تعالى عطشهم ومعاناتهم اليومية المستمرة مع انعدام المياه، قائلين:”اللهم يجازي من كان السبب”.
الرئيس المخدوع
يبدو أن معاناة سكان مدينة بورتسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر سوف تتمدد وتتفاقم في ظل ظاهرة الفشل التي لازمت مشاريعها المائية، بدءاً بمشروع مياه بورتسودان من النيل والذي نهبت وسرقت معداته بمآخذ الدامر والتي تسحب منها مياه النيل قرب عطبرة، تناولت ذلك بالتفصيل في حلقات العطش السابقة.. هنا نستعرض نوعاً غريباً من التجاوزات والخداع حتى على رئيس الجمهورية المعزول (عمر البشير).. الضحية هذه المرة (محطة التحلية سي) ببورتسودان الواقعة بالقرب من منطقة الشاحنات عند مدخل المدينة التي أرهقها العطش.
محطة التحلية المشار إليها نفذتها شركة سودانية متخصصة في الطرق والجسور عام 2005م، ولا أدري ما علاقة شركة طرق وجسور بمحطات تحلية المياه التي لها مهندسوها وخبراؤها الذين يقومون بمثل هذه المشاريع المائية الإستراتيجية..الشركة السودانية الموقعة على عقد تنفيذ محطة تحلية بورتسودان، وهي واحدة من أربع محطات تحلية يفترض أن تسهم بقدر ملحوظ في فك أزمة مياه الشرب بمدينة بورتسودان ميناء السودان الأول، ولكن هيهات!..فبما أن إنشاء محطات التحلية ليس تخصصها قامت بالتعاقد من (الباطن) مع شركة مصرية لتنفيذ محطة التحلية بدلاً منها.. علماً أن تكلفة إنشاء المحطة بلغت (5) ملايين و(400) ألف دولار، وهو مبلغ كبير في تلك الفترة الزمنية..حسب المعلومات التي تحصلت عليها بالبحث والتقصي والمصادر، فإن مشروع محطة التحلية تم تنفيذه بدون مواصفات وبدون خرط يعتمد عليها عند تنفيذ محطة التحلية.. والمصيبة الكبرى التي لحقت بالمحطة حكاية المولدات الستة التي يفترض تغذية المحطة بالتيار الكهربائي، وهي أمريكية الصنع ولم تكن جديدة بل كانت مستعملة في السابق بدبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، أي أنها (خردة)، وإلا لو كانت نافعة لماذا تخلصت منها دبي بالبيع لنا؟!!..والمصيبة الثانية أنه بعد وصول المولدات الستة لبورتسوان عبر البحر الأحمر قام بعض نافذي الإنقاذ بتأجيرها في (سوق الله أكبر) لبعض الشركات والفنادق ببورتسودان، وبالطبع العائد لم يذهب للمحطة بل لبعض الجيوب، ولذلك تعثر مشروع محطة تحلية المياه (سي) ولم يكتمل ولم يدخل الخدمة حتى يومنا هذا، وهي للعلم محطة كبيرة مهمتها تحلية مياه البحر الأحمر وإدخالها شبكة المدينة لتتوزع على منازل المواطنين بالأحياء التي بها شبكات مياه..وبعد تعثرها تم تشييد أحواض تشحن منها التناكر المياه لتبيعها للمواطنين داخل المدينة.
بهرجة الإنقاذ
رغم تعثر مشروع المحطة وعدم اكتمالها إلا أن حكومة ولاية البحر الأحمر في عهد الإنقاذ دعت الرئيس المعزول لافتتاحها..وقبيل حضوره بيوم تم نصب صيوان كبير زين بالكراسي المخملية والترابيز ذات المفارش الحريرية، ووزعت الميكرفونات الساوند سيستم على ساحة الاحتفال أمام محطة التحلية (الوهمية)، (بهرجة) و(هيلمانة) كبرى.. وحضر الرئيس (المخدوع) ترافقه حاشيته وحط بطائرته الرئاسية بمطار بورتسودان الدولي، وبالطبع كان في استقباله حشد من الوزراء بحكومة البحر الأحمر وفي مقدمتهم الوالي، بجانب مراسلي الصحف ببورتسودان وإعلام الولاية، ووفد المقدمة من صحافيي الإنقاذ العاصميين.. وانطلق رتل السيارات خلف سيارة الرئيس المعزول لمكان الاحتفال الخاص بافتتاح محطة التحلية الوهمية (سي)،ىوهناك كان في انتظاره حشد آخر من أعضاء حزب المؤتمر الوطني وأتباعهم، وجمع من مواطني بورتسودان وتلاميذ المدارس الذين تجلبهم إدارات مدارسهم، عنوة، لمثل هذه الاحتفالات الرئاسية (الزائفة).. بعض خبثاء مدينة بورتسودان أجزموا لي أن ما أنفقته حكومة ولاية البحر الأحمر في احتفالها بافتتاح محطة التحلية (سي) من أموال، كان كافياً لإقامة محطة تحلية كاملة لسكان مدينة بورتسودان العطشى!!.
معلومة غريبة تحصلت عليها تتعلق بذلك الاحتفال، أنه وبمجرد ملامسة طائرة الرئيس المعزول لمدرج مطار بورتسودان الدولي، تم منع المهندس المسؤول الأول عن تركيب محطة التحلية، لأنه اعترض على افتتاح المحطة وهي لم تكتمل..حيث سأل وزير البنى التحتية ولاية البحر الأحمر باستغراب:”أين هي المحطة التي سيفتتحها الرئيس!!”.. محتجاً على خداع الرئيس بافتتاحة محطة غير مكتملة.. وكان الرئيس لا يعلم لكنه كان مخدوعاً من (زبانية) النظام البائد.. وبعد أن غادر الرئيس المعزول مطار بورتسودان مباشرة تم إغلاق المحطة بالضبة والمفتاح ولم تعمل حتى يومنا هذا.. وهذه واحدة من الأسباب لأزمة المياه القاسية التي يعاني منها سكان بورتسودان حتى يومنا هذا!!.
عبري .. دلقو
مناطق: (عبري ـ دلقو ـ البرقيق ـ الترعة)، بالولاية الشمالية يفترض أن تشيد فيها (4) محطات مياه مدمجة، قدرت تكلفتها مجتمعة بنحو (69) مليار جنيه سوداني، تم توقيع عقدها بتاريخ 12/11/2014م، بتمويل بنكي، بتنفيذ من شركة (بوشان) الصينية.. هذه المحطات المدمجة الأربع كان يفترض تغذية المناطق المذكورة بمياه الشرب النقية والصحية ولكنها لم تنجز حتى اليوم، وغادرت الشركة الصينية السودان بعد أن (لهطت) جزءاً من مبلغ العقد، ولذلك ظل سكان تلك المناطق يشربون مباشرة من البحر، بينما معدات المحطات المدمجة (مجدعة) في الخلاء عرضة للسرقة والتلف!!.
مدير بعد المعاش
معلوم أن منتسبي الإنقاذ كانوا يعاملون معاملة استثنائية من قادة وحكومة العهد البائد، يقلدونهم أرفع الوظائف في الخدمة المدنية حتى لو اضطروا لمخالفة قوانينها ولوائحها.. كمثال أن مديراً لواحدة من وحدات المياه ظل متقلداً لمنصبه لمدة (20) سنة كاملة وحتى بلوغه سن المعاش، وذلك بقرار من الرئيس المعزول..والمستند التالي يثبت ذلك.. وهو خطاب صادر بتاريخ (9) ديسمبر 1999م، من مكتب وزير الدولة، بوزارة الري والموارد المائية.. هذا نصه:
“السيد/ مدير عام الهيئة القومية للمياه.. الموضوع/قرار رئيس الجمهورية (635)، لعام 1999م بخصوص السيد (…….)، مشيراً لخطابكم بالنمرة: (50/هـ/7/أ) بتاريخ (13) أغسطس 1999م الخاص بالموضوع أعلاهـ بمرفقاته..
أرجو أن أفيدكم بأن قرار السيد رئيس الجمهورية لم يحدد فترة محدودة وبالتالي يعتبر القرار سارياً وبدون تجديد سنوي إلى حين انتهائه.. وذلك حسب توصية السيد/ وزير الدولة للري.. للتكرم بالعلم والإجراء”.
مهندس/عبدالله حسن أحمد الماحي/المدير التنفيذي لمكتب وزير الدولة
فحوى الخطاب السابق واضحة، وهو أن رئيس الجمهورية سبق أن أصدر خطاباً سابقاً لتعيين المدير المعني، والخطاب المنشور عبارة عن أمر لمدير الهيئة القومية للمياه بعدم التعرض للسيد المدير واستمراره في منصبه رغم بلوغه سن المعاش وبدون تجديد سنوي إلى حين انتهائه.. و(إلى حين انتهائه) هذه والتي أشار إليها الخطاب كلمة (مطاطية)، تعني صراحه استمرار الموظف في منصبه، حتى ولو بلغ من العمر عتيا، في تحدٍ صارخ لقوانين ولوائح الخدمة المدنية.. والسؤال هنا: كيف ولماذا يتدخل رئيس الجمهورية المخلوع في أمر يخص موظفاً حكومياً وتثبيته في منصبه إلى أن يشاء الله أمراً كان مفعولاً؟..أعتقد أن الأمر لا يخلو من (المصالح المشتركة)، التي كانت (سُنة) في عهد الإنقاذ!.. علماً أن وزير الدولة للري في تلك الفترة هو (أسامة عبدالله).
(نواصل)
تحقيق ـ التاج عثمان
صحيفة الحراك السياسي