أعترف أنني منذ فترة طويلة لم أستمتع بحوار سوداني هادئ ومرتب، وبه العديد من الرسائل، ويحمل كثيرا من الاستراتيجية وبعد النظر، مثلما استمتعت بحوار علي كرتي الأمين العام للحركة الاسلامية المكلف بالأمس، بداية من توقيت ظهور الرجل، والبلاد تعج بغوغائية حبست المشهد السياسي لفترة طويلة، استطاع كرتي اولا أن يقدم نفسه كقائد متزن واع للحركة الاسلامية في المقام الأول، والتي أعتقد انه بهذا الحضور بث فيها روح الطمأنينة من جديد، وأعطاها الأمل في مستقبل بدأت بوادره تلوح في الأفق منذ اللحظة، لم يستثني كرتي أحدا في رسائله الدقيقة، وكان ذكيا جدا عندما لم يفرق بين المؤسسة العسكرية والقيادة العسكرية، رغم بعض اللوم الخفيف من تحمل المسؤولية لما وصلت إليه الأوضاع، لم يتهم أحدًا باسمه، ولم يكابر في الدفاع عن الانقاذ، بل أكد انه كان يتوقع ( التغيير) في السنوات الأخيرة، ولكن مفاجأته كانت في السرعة واللجنة الأمنية، اعترف انه كانت هناك أخطاء وانه يجب مراجعتها، مالفت نظري أيضا في الحوار بجانب الحضور والذكاء والحذر بدون ارتباك، هو الخطاب واللغة المتزنة والردود الحاضرة بدقة، قد تكون هذه ملحوظات شكلية ومهنية للحوار، بينما الأعمق هو أن ظهور كرتي بهذه الصورة في هذا التوقيت ينبغي أن يكون ناقوسا للقوى السياسية بالسودان، بضرورة الهدوء والتفكير بطريقة مختلفة، بعيدا عن حالة الجدل التي ملأت الدنيا ضجيجا دون جدوى، فاعتقد أن ظهور كرتي مرتبا من حيث التوقيت (والتنسيق) والمحتوى، وأظن أن له مابعده من تحريك الساحة السياسية، بظهور لاعب جديد قديم لديه الكثير من الخبرة والحنكة السياسية، وان المرحلة المقبلة تحتاج لمثل هذا الدهاء السياسي، بعيدا عن مرحلة الحماسة والانفعال التي تلت الثورة والتي طالت كثيرا ولم تسفر عن شئ، المرحلة الان لترتيب الأوراق، وتكوين تحالفات بدلا من هذه الانقسامات التي مزقت المشهد، واصابت البلاد بحالة من الجمود الملحوظ، الحل بسيط لكن اختلاف الرؤى وارتباكها هو المعضلة الحقيقية، لابد من تصفير الانتقال السوداني من جديد، والتركيز على مهام الانتقال في وقت محدد متفق عليه، فالمعروف ان مراحل الانتقال ليست للحكم والصراع عليه، بل للترتيب والاعداد الجيد للتغيير الجديد، وقتها يفرض الذي يختاره الشعب عبر صناديق الاقتراع رؤيته وأجندته، السودان بلد غني جدا فقط يحتاج البداية الصحيحة، وسيتعافى بسرعة ملحوظة لو حسنت ادارته، وسيكون موقعه مميز على الخريطة الدولية بأسرع مما نتصور.
حفظ الله السودان وشعبه وشبابه.
صباح موسى