. ليس هناك من شىء أخطر على الحاكم من أن يعيش في برج عالٍ و يجعل إصبعيه في أذنيه و يستغشي ثيابه متجاهلًا رغبات وتطلعات مواطنيه لا يراهم ولايسمع شكاواهم ولا يخاطب قضاياهم ولا يتلمس مشكلاتهم حينها سيفقدهم فيحرم نفسه من سندهم وولائهم وفي الآخر سيغادر كرسي الحكم غير مأسوف عليه خذوا القذافي نموذجًا في آخر شهور من حكمه منح كل مواطن مليون دينار وهو الذي ظل يوزع عليهم كل السلع التموينية الضرورية مجانًا وبالرغم من ذلك ثار عليه الشعب ثورة شعبية رهيبة مات على إثرها أشنع ما يكون الهلاك فقط لأنه لم يحسن مخاطبة رغباتهم وعاش في ذات البرج العالي بينه وبينهم بعد المشرقين..
النموذج الثاني الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عاش نبض جماهيره وقد وطأ لهم الأكناف ألفهم وألفوه وأحبهم وأحبوه لأنه نجح بامتياز في مخاطبة رغباتهم وحين حاول الغرب كله أن يتآمر عليه مستغلًّا ترسانة الجيش لتنفيذ انقلاب عسكري ضده ماكان له إلا أن سارع إلى مخاطبة الشعب طالبًا منه النزول إلى الشارع لحماية حكمه المدني وبعد أقل من ساعة كانت الجماهير تحاصر آليات الجيش و تلقي بنفسها أمام الدبابات لتعيق حركتها ما أدى إلى إنهاء تلك المحاولة ليعود الرئيس المحبوب إلى السلطة محمولًا على الأعناق..
إذن هذه الشعوب تحترم من يحترم قناعاتها تقف معه وتسنده وتكره من يحاول الدعس على تلك القناعات والرغبات وتشويه إرادتها..
في السودان رأينا كيف هبطت شعبية حمدوك من زعيم مثل أيقونة للشباب فهتفوا باسمه(شكرًا حمدوك) لخائن خائر خسيس تعيس(شكرًا عنبلوك) فخرج من قلوبهم كما يخرج السهم من الرمية فغادر البلاد ولم يجد شخصًا واحدًا بكى عليه..
نكتب ذلك وقد اتجهت إرادة الشعب واجتمع قراره على ضرورة مغادرة هذا (الفولكر) للبلاد مغادرة نهائية حيث أضحي ذلك مطلبًا جماهيريًّا لا محيد منه ولا نزول عنه بل رغبة وتصميم ومشيئة..
هذه الرغبة فرضت نفسها بعد أن أحس الشعب أن الرجل خميرة عكننة سعى ويسعى لتنفيذ أجندة اقصائية نتج عنها مزيد احتقان بعد أن قرب (ما) شاء وأبعد من شاء فأثار لدى البعض كوامن الغضب و أجج الحقد والكراهية..
لكن أهم من ذلك أن الشعب بإرادته النافذة وذكائه أدرك أن الرجل لا خير من ورائه يرجى فكل الدول الأوربية كذبت في وعودها ولم تف بتعهداتها للحكومة بالرغم من أن حمدوك فعل لها كل شىء أقر لها تشريعات أباحت الزنا والخمور وسن لها قانونًا أجاز المعاملات الربوية وصادر مبنى جمعية القرآن الكريم وحوله إلى مقر للمثليين و عين لهم وزيرة من جنسهم ترعى مطالبهم وفرض على الشعب وصفة البنك الدولي الاقتصادية التي أفقرتهم وأجاعتهم وصنعت حالة من الذل والبؤس واليأس والهوان والضياع فماذا كانت النتيجة؟! النتيجة أنهم أخرجوا له لسانهم ولسان حالهم يقول له في سخرية ( عباطة قدر ده ما معقول)؟!
يؤسف المرء أن بعض الحمقى مازال ينتظر من أوروبا منحًا وقروضًا في ظل ركود اقتصادي يضرب العالم كله
ومازال البعض ينتظر من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وأمريكا دعمًا وهي تعيش أوضاعًا اقتصادية معقدة بعد الحرب الروسية الأوكرانية فهؤلاء أفرطوا في السذاجة والبلادة والغباء..
ما يجعلنا نقرر بكل وضوح أن الشعب ينتظر قرارا (بركاويًّا) خشنًا وليس ناعمًا يقضي بإخراج هذا الغازي الطاغية المستبد فورًا إخراجًا صارمًا لا هوادة فيه فإن أبت الحكومة فإن هذا الشعب سيخرجهما معا ويخلص البلاد منه ومنها بعد أن رفضت تحقيق رغبة حقيقية مدعومة بإرث وبطولة صنعها الآباء والأجداد إلى ذلك الحين إني لأرجو من المجلس السيادي أن يستمع في جلسة سماع لرائعة الشامخ العتيق حسن خليفة العطبراوي (يا غريب يلا لبلدك) فلربما حركت مواتهم الذي أدمى قلوبنا و مزق أفئدتنا حسرة و غيظًا..
الدكتور/ عمر كابو