سراج الدين مصطفى يكتب : نقر الأصابع..
على طريقة الرسم بالكلمات
الدكتور عبد القادر سالم.. الفنان الذي اعتبره نسيج وحده.. وهو صاحب تجربة خاصة ولونية كانت جديدة على الغناء السوداني.. كان سفيراً حقيقياً لكردفان في الخرطوم.. قدم ايقاعات منطقته وأبرزها للعالم .. فهو رغم تقادم السنين لم يحد عن لونيته التي جاء بها .. لذلك أصبح رقماً فنياً من الصعب تجاوزه .. وعبد القادر سالم نموذج حقيقي للقائد الإنسان الذي يصلح أن نطلق عليه سفير الإنسانية في الوسط الفني.
(2)
وعبد القادر سالم كذلك باحث في مجال الموسيقى التراثية السودانية عامة وموسيقى منطقة كردفان على وجه الخصوص.. قدم العديد من المحاضرات والندوات والأوراق العلمية حول التراث الغنائي، وله إسهامات بالكتابة للصحف .. عبد القادر سالم سيرة ذاتية ناصعة وباهية للفنان وهي تؤكد بجلاء أحقيته في أي منصب يجلس عليه.
(3)
وجلوس الدكتور عبد القادر سالم على سدة رئاسة اتحاد الفنانين لدورة جديدة هو تأكيد جلي وواضح على أن الرجل هو الأكثر والأقرب التصاقاً بقاعدته وعارفاً بهمومها وتطلعاتها .. ويبدو واضحاً أن للرجل قاعدة شعبية ضخمة باتحاد الفنانين واتضح ذلك حينما لم يترشح ضده أي مرشح لمقعد الرئاسة وذلك اعتراف علني وجهير على أنه يستحق هذه المكانة في وجدان قاعدته وعضويته.
(4)
والرجل ظل على الدوام محل تقدير وحب كبير لما عُرف به من مواقف إنسانية ، وما يؤكد ذلك هذا الموقف حيث اقتحم الفنان الكبير كمال ترباس اجتماعاً بدار الفنانين بأم درمان، والذي كان معداً لمناقشة إجراءات الجمعية العمومية بالنادي وانتخاب رئيس لدورة قادمة. وقال ترباس: (لا بديل لعبد القادر سالم إلا عبد القادر سالم)، نسبةً لما يتميّز به من خبرة كبيرة وحنكة إدارية متميزة وعلاقات اجتماعية واسعة وقبول واسع داخل الوسط.. وأضاف قائلاً: “إذا مرض أحد في النادي، فإن عبد القادر يصله قبل (الإسعاف)، ويظل ملازماً للمريض حتى آخر لحظة”.
(5)
ما من شك أن الموسيقار الكبير محمد الأمين ، يعتبر حالياً هو آخر من يصارع لأجل المحافظة على تجربته التي أثرت الوجدان السوداني وجعلته متربعاً على القمة منذ لحظة ظهوره في بداية الستينيات حتى اليوم، وهذا الحضور ما كان له أن يتحقق لولا أن الرجل جاء بطريقة غنائية ولحنية جديدة على الأذن السودانية، وريادة محمد الأمين معلومة بالضرورة ولا تحتاج للتذكير بها.
(6)
أكثر ما يميز محمد الأمين هو جديته والتزامه الصارم بتقديم ما هو غير معهود، فهو منذ أن تغنى بأغنية (وعد النوار) أصبحت تجربته الغنائية بمثابة فتح وطفرة في مسار الأغنية السودانية، وشكلت تلك الأغنية وقتها علامة فارقة وأصبحت رمزاً للتجديد باعتبار أن الألحان وقتها دائرية وتقليدية ويغلب عليها طابع ألحان الحقيبة، ولكن وعد النوار تميزت (بموتيفة) جديدة ولازمات مختلفة غيّرت من النمط السائد وقتها.
(7)
بروز محمد الأمين بهذا الشكل اللافت، لأنه اكتشف قدراته الصوتية بكل أبعادها، كما أن مهارته العالية في العزف على آلة العود جعلته أكثر قدرة في صياغة الألحان على (مقاس صوته) وليس أي صوت آخر لذلك تجد أن ترديد أغنياته يصعب على الآخرين، وحتى من حاولوا تقليده لم يستمروا طويلاً، لأن ترديد أغنياته غير متاح للجميع، وتلك هي اللونية التي فرضها، مع أنه أصبح موسيقياً ملهماً لكل الأجيال الجديدة من الملحنين تحديداً.
(8)
إذا تأملنا جميع الألحان التي قدمها ود الحاوي نجدها تجتمع تحت عنوان واحد هو التحرر، فأصبحت القاعدة أنه لا توجد قاعدة، فقد تحرر ود الحاوي في قطعه الموسيقية من القوالب القديمة للموسيقى البحتة والتي كانت تضم التراث الشعبي والحقيبة والطنبارة وكل الأشكال الكلاسيكية القديمة .. وظلت تلك الأشكال سائدة حتى تفنن ود الحاوي في تكسيرها واحدة وراء الأخرى ، وهنا لن ندخل في تفاصيل أكاديمية (لا تتوافر لنا) لكن يمكن إيجاز القول في أنه نجح في فك أسر الموسيقى من قوالبها التي جمدت مع الزمن ، ومع تحول الفن من التطريب إلى التعبير بمقدم الفنان والموسيقار محمد الأمين في مطلع الستينيات أصبح للتعبير الأولوية المطلقة عند الموسيقيين والجمهور على السواء.
(9)
استخدم عبد اللطيف خضر ود الحاوي في تلحين أغنياته إمكانات مختلفة للتعبير، وقد أثرى بذلك حركة الموسيقى عموماً، فلجأ المؤلف الموسيقي إلى توظيف الأداء الموسيقي بالاهتمام بالأوركسترا وإدخال آلات جديدة وإيقاعات جديدة وتراكيب ميلودية مبتكرة، وببروز ألحانه ذات الثراء أصبحت الحاجة أكثر إلى التوزيع الموسيقي، مما أفاد الموسيقى السودانية بشكل عام لتنفتح على عوالم علمية جديدة لم تكن متوافرة في الزمن السّابق.
صحيفة الصيحة