– السوداني إنسان شفاف للحد البعيد.. فإذا كسر الضيف كوب «الحاجة الباردة» يرفع أهل البيت الحرج عنه فيبادرون بقولهم «اندفق الشر».. وإذا جنح «الكمساري» إلى إحراجك يهب جميع الركاب للدفاع عنك..
– ولا حدود لتعاطف الناس مع الباعة الجائلين وستات الشاي حين تداهمهم الكشة.
– حتى أن صديقاً «كفيفاً» شكا لي من عطف الناس الزائد الذي يجعلهم يعاونونه على أشياء يحذقها ويتدرب عليها ومن مصلحته أن يتركوه يقوم بها.
– ولما كنت أستخدم المواصلات العامة.. فكثيراً ما يدفع لي قيمة التذكرة طلاب وطالبات.. فأصر على إثنائهم عن ذلك وأحاول دفع القيمة.. لكنهم لا يتنازلون.. ولما شكوت لابني من ذلك وأنه يجعلني مستاء.. إذ يستقطعون من مصروفهم المحدود.. قال لي: إن هذا ديدن الطلاب جميعاً.. وإنه إذا صادف والد زميل لهم يفعل نفس الشيء..
– ولما كنا في مطار دولة عربية في انتظار إقلاع الطائرة للعودة إلى الخرطوم.. كنا نجتمع مجموعة سودانيين معظمهم من العرسان العائدين من شهر العسل.. احتاج بعض السودانيين من الذين يعملون بتجارة الشنطة إلى مبالغ إضافية جراء الوزن الزائد.. فاستنجدوا بنا وكان المبلغ كبيراً بعض الشيء يعادل أكثر من مائة دولار.. ولما كانت قد تبقت لمعظمنا عملة البلد الذي زرناه, فقد تطوعنا ودفعنا للجماعة ما فاض عن حاجتهم.. كان ذلك مثار دهشة العاملين بالمطار من أبناء الدولة المضيفة.. بل إن أحدهم استفسر هل تربطنا صلة قرابة بهؤلاء؟.. ولما عرف أننا دفعنا لا على سبيل «الدين» أو أمل استعادة ما دفعناه.. كان لا يصدق واغرورقت عيناه بالدموع وأشاد برهطنا..
– أيام التدريس وفي السبعينات.. حدث أن قام شقيق زميلنا المعلم بتجربة حسبما أوحى له الفراغ ولإشباع بعض فضوله.. وهي إن كانت ستخضع لتحليل علمي تكون نواة لإجراء دراسة لأنماط من السلوك..
– عمد إلى أن يحضر للضيوف.. ضيوفه أو ضيوف شقيقه زميلنا.. «وقد كنت أحد الضيوف..».. عمد إلى أن يحضر شاياً بدون سكر.. ويرى رد فعل الناس.. ولما كنت «شليقاً» منذ ذلك الحين.. فقد قلت له: إن الشاي ماسخ لعلكم نسيتم السكر؟.. فضحكوا وقالوا أنا الأول ضمن عينة عشوائية اختاروها الذي يقول ذلك.. أما من سبقوني فإما تجرعوا الشاي الماسخ.. أو تحججوا عن شربه بأي سبب.. لما عرفت ذلك اندهشت.. ماذا في أن تنبه إلى كون الشاي بلا سكر.. في ذلك الزمن لم تتبين للناس خطورة السكر.. ولم يكن مرض السكري منتشراً.. أو ربما كان يتسبب مباشرة في «إثر علة لم تمهله طويلاً».. نحن طيبون.. طيبون جداً هذا للأسف الشديد.
[/JUSTIFY]الصباح..رباح – آخر لحظة
[EMAIL]akhirlahzasd@yahoo.com[/EMAIL]