حيدر المعتصم يكتب: عُصَار المفازة…أحمودي

حوارات حول الأفكار… (99)

د.حيدر معتصم

الحکمة لیست فی معرفة الأشياء فلسفيا أو على المستوى النظري و لکن فی جعل تلك المعرفة واقعا یمشی بین الناس و تحویلها الی برامج عملیة تهدي إلى تحقيق الأهداف و المقاصد التی من أجلها خلق الله الکون و خلق الناس لیعبدوه بالعلم والعمل و الشكر.. تلك هی العبادة في أبهی صورها.. و تتجلی تلك القيم والمعانی بشکل أوضح فی نكوص الإنسان عن العهد مع الله في إحتکارالأشياء و تحدیدا إحتكار السلطة و المال عن طريق السیاسة و الاقتصاد و فلسفة كسب المال أو الرزق، و تلك في كثير من الأحيان مرتبطة بما یفتح الله به علی الناس من بصر و بصیرة و لا علاقة لها من قریب أو بعید بکلیات تعليمية أو وزارات أومٶسسات إقتصادیة وإنما ترتبط في شقها الإعتقادي إرتباطا وثيقأ بعلاقة الفرد أو الجماعة او الناس بربهم مباشرة …. و الله سبحانه و تعالی هو الذی خلق الکون و هو الذی أنزل الرزق لیکون مشاعا بین الناس ولا يكون دولة بين الأغنياء و خلق السلطة لتكون هادياً للناس لطريق الحق المؤدي إلي الله، و لذلك حینما تأتی السلطة و التشريع لترسخ لمفاهيم إحتكار الرزق و السلطة لفٸة من الناس دون بقية الخلق فلیأذن الناس بحرب من الله لأن ذلك يعد من الأفعال الشائهة و المشینة المؤدية إلى الإستبداد و الظلم و قديما قيل أن الملك يبقى مع الكفر و لايبقى مع الظلم لأن ذلك يعد خروجاً صریحاً و تعدياً علی حدود الله و نوامیسه في کونه لأن الله هو الذی خلق الکون و هو المهيمن عليه و هو القاهر فوق عباده .

تقع مدينة المفازة بولاية القضارف على ضفاف نهر الرهد كأحد أهم مراكز الإنتاج الزراعي و الحيواني التي مثلها مثل كثير من ربوع السودان و بواديه ظلت و لم تذل تعطي أهل السودان غذاءً يسد الرمق و فكرة تهدي الناس سواء السبيل في معاني الشهامة و المروءة و إغاثة الملهوف و قد وثق لتلك القيم و المعاني في حق أهلنا بمدينة المفازة الراحلين الشاعر عمر ود الحسين و الفنان سيد خليفة عبر كلمات القصيدة اللوحة.. إعصار المفازة.. في حق أهلنا بالمفازة و في حق رمزهم عمنا المرحوم العمدة حسن عبدالله ود طه، و رغم أن منطقة المفازة تذخر بكثير من الأعاصير الهادية إلى قيم الحق و الفضيلة إلا أننا نيابة عن أهلنا في المفازة و أهل السودان قاطبة نستميح شاعرنا الكبير عمر ود الحسين صاحب و ناظم رائعة إعصار المفازه والفنان القدير سيد خليفة الذي أشبعها لحنا وهما الآن في رحاب الله الفسيحة لإستعارة لقب إعصار المفازة بالأصالة لصالح إعصار آخر من أعاصير المفازة هو عمنا المرحوم محمد مصطفى الشهير بأحمودي دون أن ينقص ذلك أو يقدح في حق العمدة ود طه في إستحقاقه باللقب شيئاً، و أحمودي لمن لايعرفه فهو رحمه الله مزارع بسيط من أهل المفازة له قصة و حكاية يرويها أهل المنطقة و يوقنون بأنها هي السبب في تميزه و إنتاجه الوفير في كل موسم زراعي طوال حياته و تلك القصة في حقيقتها تصلح لأن تكون فكرة و برنامج وخطة لوزارة الزراعة و كل مناطق الإنتاج الزراعي و الصناعي ليس لشئ إلا لأنها تعمل على ربط الأسباب بالتوكل و ربط الأرض بالسماء.
يااااا الله.. أدی أدینی ما أدی ما تدینی.. تلك کلمات ظل یرددها عمنا المرحوم أحمودی لسنوات طويلة و هو يزرع لتكون عهداً و مناجاة بينه و بين الله مع كل رمية حبة و دفنها في باطن الأرض لتخرج الأرض له بعد ذلك وعداً وتمنى و إيماناً بأن الله هو الرزاق و أن وعد الله حق.. و في السماء رزقكم و ماتوعدون.. ، وتلك الكلمات و ذلك العهد تعبران بصدق عن ذلك الانسان البسیط الذی یعیش فی مکان بسیط لیس فیه کلیة للاقتصاد و لا معرفة مکتسبة عبر خبراء أو مراکز بحثیة بها عتاة العلماء و الباحثين و انما هو الفتح الربانی والبصیرة النافذة المرتبطة ارتباطا و ثیقا بمن خلق الرزق و خلق السلطة وجعلهما سلما لإرتقاء الإنسان لنجاحه و فلاحه و سعادته في الدارين نود أن نكون شهوداً عليها و نهديها كماركة مسجلة وصدقة جارية في دفاتر الفتح الرباني و ملكية فكرية بإسم إعصار المفازة عمنا المرحوم أحمودي إستحقاقاً عن جدارة إلى كل الباحثين عن الطريق القويم في الإنتاج و الإنتاجية بإعتبار أن ذلك يتسق مع ما ينتظم الكون من أوبه وعودة إلى الله وما تفتقده الانسانیة من مفاتيح و قيم تهدي إلى الحق فی صراعاتها الصفرية حول المال و السلطة و ما يدور من صراع بين ما یسمی بالدول العظمی والعظمة لله وحده فی هرولتها وتجنیدها لجمیع قدراتها من أجل إقتلاع لقمة العیش من افواه المساكين الذين یحتاجونها الآن حول العالم لصالح آخرين يعيشون في تخمة دائمة و لیس لهم بها حاجة و اقتلاع السلطة بالقوة الباطشة فوق اختیار الناس و ارادتهم و ليس أمامنا إلا أن ننظر الی ایات كتاب الله المسطور و إلی ما فیه من عبر و دروس من أجل إستقامة كتابه المنظور يقدمها أمثال أحمودي من البسطاء كعبر و دروس مجانية في فلسفة و نشوء الامم و تطورها و سقوطها و سنجد حينها بکل بساطة ان ذلك الرجل البسیط بما يحمل من أفكار أحق بالريادة و القيادة في العمل الزراعي و الإنتاجي من كثير ممن نالوا ذلك الشرف بلا بصر و لا بصيرة ممن درسوا الاقتصاد و العلوم السیاسیة و الاستراتیجیة فی اعتی الکلیات و المعاهد العلمیة الحديثة و لم يقدموا شيئاً..
عينيك يالصقر…
في الحارة ما بتنوم
صدرك للصعاب..
دايما بعرف العوم
في وسط الفريق..
في الفارغة ما بتحوم
لابتتلام..
لا بتعرف تجيب اللوم
ود ناساً عزاز جمعوا المكارم كوم
تفخر بيك بنات البادية و الخرطوم
تحية حب و مودة و إعتزاز لأهلنا السمر في مفازة ود طه و أحمودي.. فهم فخر لنا و للوطن.

صحيفة الانتباهة

Exit mobile version