بات الحديث عن وقوع حادثة نهب مسلح مروعة في العاصمة الخرطوم بواسطة ما يسمى محلياً بعصابات “9 طويلة” أمراً غير مستغرب، نظراً إلى تكرار حدوثها بشكل يومي، ما أثار حفيظة وغضب المواطنين تجاه الأجهزة الأمنية لعدم حسم الظاهرة التي تنامت بصورة مقلقة، والتي جعلت السكان يتعاملون بقسوة مع تلك العصابات لدى القبض على أحد أفرادها إلى حد الضرب حتى الموت.
لكن، مع توجيه مجلس الأمن والدفاع السوداني، خلال اجتماع له برئاسة الفريق عبد الفتاح البرهان، الجيش وكافة القوات النظامية في جميع أنحاء البلاد بالتحرك الفوري والحاسم لاتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية ضد أي مجموعات مسلحة أو أفراد، انطلقت هذا الأسبوع حملة أمنية واسعة بمشاركة قوة مشتركة تضم 300 مركبة تحمل عشرات الجنود التابعين للجيش والشرطة والأمن والاستخبارات وتمكنت من مداهمة أكبر معاقل عصابات النهب المسلح في مناطق عدة بالعاصمة المثلثة (الخرطوم، أم درمان، والخرطوم بحري)، حيث أوقفت عشرات المطلوبين من العصابات المسلحة وفتحت بحقهم بلاغات تحت طائلة القانون الجنائي، وقانون الأسلحة والذخيرة والمفرقعات، وقانون الصيدلة والسموم.
بؤر ساخنة
وأكد الخبير السوداني في إدارة الأزمات والتفاوض بمركز الدراسات القومية في الخرطوم، اللواء ركن أمين إسماعيل مجذوب، أن “الحملات الأمنية المشتركة للأجهزة النظامية السودانية المختلفة، تأتي في إطار الحملات الوقائية للجريمة المنظمة، وتزامنت مع التوجيه الصادر من مجلس الدفاع والأمن لكافة القوات الأمنية والعسكرية وعلى رأسها الجيش بإزالة التشوهات والاضطرابات والسيولة الأمنية في البلاد، وبدأت هذه الحملات في مناطق مختلفة من ولاية الخرطوم، وتم القبض على بعض معتادي الإجرام واستعادة عدد من المسروقات المختلفة، وقد أثبتت بالفعل هيبة الدولة”.
وأشار مجذوب إلى أن المناطق التي استهدفتها الحملات تمثل بؤراً ساخنة للجريمة يصعب الوصول إليها، ولم يكن هذا الأمر تقصيراً ولا تأخيراً، بل كان هناك شاغل آخر للأجهزة الأمنية هو التظاهرات التي تحدث من حين لآخر في شوارع العاصمة، وتابع، “في اعتقادي أن هذه الحملات سوف تستمر وتتمكن من اقتلاع جذور هذه العصابات ودك حصونها حتى تتلاشى نهائياً من هذا المسرح”.
وبين الخبير في إدارة الأزمات والتفاوض أن “هناك لجنة منبثقة من مجلس الدفاع والأمن لمتابعة هذه الحملات، وربما نرى تطوراً نوعياً داخل ولاية الخرطوم وبقية مدن البلاد الرئيسة، ومن ثم الانتقال إلى دارفور قريباً، لنشهد حملات بهذا المستوى ضد الصراعات القبلية والمجموعات التي تحاول أن تأخذ القانون بيدها، وتربط الصراعات بالعمل المسلح، فمن المؤكد أنه سيكون هناك تحول كبير في هذا الاتجاه”.
فراغ سياسي
من جهته، قال القيادي في الجبهة الثورية، حذيفة محيي الدين البلول، “المعايش لأوضاع البلاد يلحظ النشاط المتنامي لمجموعات إجرامية تمارس أعمال النهب والسلب بصورة مزعجة للغاية في العاصمة ومدن أخرى، وللأسف الشديد في وضح النهار، وفي رأيي أن أحد أسباب هذه التفلتات عدم الاستقرار السياسي في المقام الأول، إذ تشهد البلاد فراغاً واضحاً بعد قرارات 25 أكتوبر (تشرين الأول) ساهمت بشكل كبير في السيولة الأمنية، كما أن هناك حملات منظمة من جهات تستعدي القوات النظامية، فضلاً عن وجود تنمر كبير ضد هذه القوات، ما دفع كثيراً من أفرادها لترك الخدمة العسكرية، إلى جانب تردي بيئة العمل والأجور غير المجدية”.
ولفت القيادي في الجبهة الثورية إلى أن المسؤولية تتطلب من الأجهزة القائمة وبخاصة القائد العام ورئيس مجلس السيادة الحالي السعي الحثيث لتنفيذ الترتيبات الأمنية وإغلاق الباب أمام هذه الجماعات التي تمارس العبث بأرواح وممتلكات المواطنين، لكن عدم تنفيذ برتوكول الترتيبات الأمنية سيؤثر سلباً على النواحي الأمنية الحالية، إن لم يكن في الخرطوم ففي بقية الولايات.
جريمة مركبة
وكان مدير شرطة ضاحية أم بدة في أم درمان عبد الله عبد الرحمن، قال في حديث بثه تلفزيون السودان إن “جريمة الخطف والنهب بواسطة الدراجات النارية، أو ما يعرف بـ”9 طويلة”، ذات دوافع شخصية لتلبية رغبات الجاني”. وأشار إلى أهمية تضافر الجهود الشرطية والمجتمعية للقضاء على هذه الظاهرة المقلقة، مؤكداً استمرار حملات الشرطة المعلنة وغير المعلنة في المناطق الهشة أمنياً بصفة دورية ويومية.
اقرأ المزيد
ما حقيقة البنزين الفاسد الذي عطل السيارات بالسودان؟
هاتف محمول يوقظ “معارك القبائل” في شرق السودان
هل ينجح السودان في معركة السيول ويمنع الكارثة؟
وبين مدير شرطة أم بدة أن القضاء على ظاهرة العصابات المسلحة يتطلب تشريعات جديدة، بوصفها جريمة مركبة تجمع بين السرقة والاختطاف، إلى جانب تكثيف دور الشرطة، لا سيما بعد أن باتت هذه الجرائم مركز اهتمام المواطنين.
سجن وغرامة
وكان والي الخرطوم المكلف أحمد عثمان حمزة، أصدر الشهر الماضي مرسوماً ينظم استخدام الدراجات الآلية (المواتر)، ويساهم في الحد من ظاهرة النهب المسلح، وبالتالي تأمين حياة المواطنين من تلك العصابات.
ونص المرسوم على حظر كل من يقود دراجة آلية حمل شخصاً معه بالدراجة، وعلى الضابط المسؤول القبض على قائد الدراجة والشخص المحمول معه، ويعاقب من يخالف المرسوم بالسجن لمدة شهرين أو دفع غرامة مالية لا تتجاوز 100 ألف جنيه سوداني (175 دولاراً) أو العقوبتين معاً، وفي حال تكرار المخالفة يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز أربعة أشهر وغرامة 500 ألف جنيه سوداني (877 دولاراً)، وفي حال الإدانة للمرة الثالثة يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز السنة مع مصادرة الدراجة الآلية لصالح ولاية الخرطوم.
كما أجاز المرسوم للضابط المسؤول في أية نقطة متحركة أو ثابتة أن يأمر بحجز أية دراجة آلية بأقرب مركز حجز مروري متى ما اشتبه في سائقها بمخالفة القانون. وعزا والي الخرطوم ازدياد وتيرة الجريمة في العاصمة إلى الكثافة السكانية العالية والضغوط الاقتصادية وظاهرة النزوح. وحض المواطنين على القيام بدورهم عبر الإبلاغ الفوري عن هذه الظواهر والتعامل وفقاً للقانون لتجفيف منابع الجريمة.
وشهدت مدن العاصمة المثلثة في الآونة الأخيرة انتشار ظاهرة الخطف والسطو المسلح عن طريق الدراجات الآلية، في ما يعرف بـ “9 طويلة” التي أرّقت المواطنين، وسقط عدد كبير من الضحايا على أيدي ممتهني هذا النوع من السرقات، وتعيش الخرطوم منذ فترة حالاً من الانفلات الأمني وتزايد جرائم النهب والخطف والسطو تحت تهديد السلاح.
إسماعيل محمد علي
إندبندنت عربية