منى أبو زيد تكتب : أكثر الأيام إثارةً للضجر..!

“الأفعال مرئية لكن الدوافع خفية”.. صمويل جونسون..!
كان البروفيسور “محمد يونس” – مُؤسِّس بنك الفقراء في بنجلاديش – يتنقل بين قُرى بلاده التي أنهكتها المجاعة، مُبشِّراً بحلول بعض المدارس الاقتصادية المتعجرفة، عندما قابل امرأة فقيرة تعمل بصناعة البامبو لاحظ أنها كانت تلجأ لاقتراض المال من أحد المرابين لشراء المادة الخام، ثم تظل تعمل لبضعة عشر ساعات يومياً في تصنيع الكراسي حتى تتمكن من رد القرض وفوائده، وهكذا تبقى حبيسة سجن الكفاف إلى ما شاء الله. عندها لمعت في ذهنه فكرة “التمويل الأصغر” التي حرّرت ملايين الفقراء في أنحاء العالم من مُعتقلات الديون المتفاقمة..!

في السودان فشلت تجارب بعض البنوك في تمويل الحرفيين والزراعيين، وكان نجاح بعضها الآخر في تمويل مشاريع الأُسر المُنتجة محدوداً للغاية. وقد أرجع بعض الخبراء هذا الفشل لثقوب في السياسيات العامة للبنوك إضافةً إلى قصور في دور الحكومة وغياب الدعم المؤسسي والقانوني لحماية تلك التجربة الاقتصادية الغضة..!

الأهم من كل ذلك – في تقديري – هو عدم التوفيق في استهداف الخامة المثلى في نسيجنا الاجتماعي نفسه.. المُلاحظ أنه وفي كل دولة نجحت فيها سياسات التمويل الأصغر تصدّت خامة فريدة بعينها – من جملة النسيج الاجتماعي – لخوض التجربة. في بنجلاديش ومصر وغيرهما نجح رهان الأسرة الفقيرة على شريحة ربات البيوت، باعتبارها الخامة الأكثر ملائمة لامتصاص عقبات التجربة التجارية التي لا تتجاوز توفير الطعام والاحتياجات الأساسية..!

عندنا في السودان “حيث الدراسة الجامعية ضرورة أكاديمية تنفق عليها الأسر الفقيرة كل مُدخّراتها وبعض ديونها المُستحقة” يظهر أن الخامة التي يجب أن يكون الرهان عليها هي شريحة الخريجين العاطلين الآخذة في التّمدُّد والتّفاقُم..!

استهداف شريحة العاطلين من حاملي شهادات “بكالوريوس الزينة” يبقى هو الحل الأمثل، وبهذا يتحولون إلى منتجين بمشاريع صغيرة ترفد الاقتصاد عوضا عن الوعود السياسية المعتادة بتهيئة وظائف تعجل بانضمامهم إلى حشود البطالة المقنعة بين أروقة الخدمة المدنية المترهلة بدورها ..!

استهداف الفقر يستوجب استهداف قطاعات العاطلين من الشباب – بتدابير مدروسة وعادلة وليس على النحو الدعائي الذي كنا ولا نزال نشهد – وقبل هذا لا بُدّ من استهداف فلسفة التمويل الأصغر نفسها، وذلك بالتركيز على أهمية الدوافع قبل الحرص على تكديس الضمانات. وهذا هو بالضبط دور الحكومات الجادة في مُحاربة الفقر. ويبقى تقديم الخدمات المالية للفقراء نهجاً اقتصادياً مُكلّفاً للغاية، ما لم يُعد النظر في طبيعة الدور الغائب لمؤسسات الدولة بخلق البديل المؤسسي الملائم والتركيز على مبادئ التمويل التنموي..!

أكثر الأيام إثارةً للضجر في التاريخ هو الحادي عشر من أبريل للعام 1954م، هذا ما أثبتته دراسة أجراها شابٌ من خريجي جامعة كامبريدج، قام بتصميم برنامج على الحاسوب تمكّن – بعد جملة حسابات إلكترونية مُعقّدة – من تحديد ذلك اليوم. أما المُفارقة الطريفة فهي أن الشاب صاحب الفكرة كان يشعر بالضجر لأنّه كان عاطلاً عن العمل، لكنه نجح في استثمار ضجره..!

توفير فرص العمل للشباب العاطل هو الذي يدير دفة الإصلاح في البلاد، وهو الذي ينقلها من ارتفاع معدلات الجريمة إلى ازدياد الطلب على تسجيل براءات الاختراع.. فهل يا تُرى من مُذَّكر..؟!

صحيفة الصيحة

Exit mobile version