محجوب مدني محجوب يكتب: الفتاوى الإسلامية بين التوظيف والإهمال

الفتاوى الإسلامية تعد من أهم الأدوات الشرعية التي ميزت الدين الإسلامي عن غيره من الأديان.
جعلته دينا حيا نابضا بالحياة يتفاعل مع القضايا والأحداث الآنية والمستقبلية التي تهم الناس بمختلف شرائحهم وانتماءاتهم.
تعتمد الفتاوى الإسلامية في إصدار فتواها إزاء القضايا والأحداث الآنية على التشريع الإسلامي من نصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وسيرة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
فلا أحد ينكر أهمية الفتاوى هذا الجزء الأصيل من الدين الإسلامي.
إلا أن سطحية المسلمين اليوم وعدم إدراكهم لخطر قوى الشر التي تحيط بهم من كل جانب هو الذي أفرغ هذه الفتاوى الإسلامية من وظيفتها وجعلها بعيدة كل البعد عن مسرح القضايا الأساسية التي تهدد الأمة، وذلك بسب سوء استخدام المسلمين لها.
فما ينبغي هو أن تنقسم الفتاوى الإسلامية إلى قسمين: قسم خاص بالأحداث وقسم خاص بالأشخاص.
فما يتعلق بالأحداث ينبغي تقييمه من حيث موضوعه، فهل هو يندرج تحت دائرة الإنسانية جمعاء أم هو خاص بالمسلمين؟
وكذلك القضايا التي تتعلق بالأشخاص، فهل هؤلاء الأشخاص قضيتهم تندرج تحت دائرة الإنسانية جمعاء أم هي تتعلق بالمسلمين فقط؟
لا شك أن الدين الإسلامي جزء من منظومة العمل الإنساني أي أن معتقداته ومفاهيمه ونشاطه لا تنفصل عن دائرة الناس أجمعين ثم تأتي بعد ذلك الدائرة الخاصة بالمسلمين.
فما يخص الفتاوى الإسلامية ينبغي أن يراعى فيها هاتين الدائرتين: العامة بالناس أجمعين والخاصة بالمسلمين.
فلا يخلط بيت الدائرتين.
فما يخص الدائرة العامة فهي تتعلق بأسباب الأمن والعدل والأسباب التي تزيل الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية التي تهدد العالم.
فما أن تتعلق القضايا بالدائرة العامة التي تشغل الناس أجمعين، فينبغي الاهتمام بها في إطارها العام وينبغي توجيه الفتاوى وإصدارها من أجل أن تتفاعل، وتساهم في هذه القضايا العامة.
وإن كانت القضايا تتعلق بالدائرة الصغرى الخاصة بالمسلمين من مثل العقائد والعبادات والمعاملات، فحينئذ توجه الفتاوى نحو هذه الدائرة الصغرى.
كل هذه المقدمة التي ذكرت عن مفهوم الفتاوى سببه الخلط الذي يتم بين القضايا العامة التي تخص عامة الناس والقضايا الخاصة التي تخص المسلمين.
فما أن تظهر قضية عامة تخص الإنسانية ينبغي أن يتم التركيز عليها داخل إطارها أما إذا ربطت بالقضايا الخاصة فحينئذ تظهر سوءتين.
الأولى: تضييع القضية بأكملها في كونها وضعت في مكان غير مكانها، فهي مكانها الإنسانية جمعاء، فحولت إلى قضية خاصة بالمسلمين فقط.
الثانية: تضييع قيمة الفتاوى الإسلامية فهي بدلا من أن تدعم القضايا بمختلف أنواعها أفرغت من قيمتها وصارت بلا فائدة وبلا قيمة.
لتصبح بذلك مجرد عبارات تصدر ليس لها أي علاقة على القضايا المطروحة.
وفاة الشهيدة شيرين أبوعاقلة على يد العدو الصهيوني وهي تمارس عملها الشريف، فلا شك أن هذه القضية تخص الإنسانية جمعاء، فهي قضية عدل وقضية اعتداء على الإعلام وقضية كبت الحقيقة وقتلها، ففجيعتها لا تخص المسلمين فقط، ولا تخص مجتمع دون مجتمع، وإنما هي تخص الإنسانية جمعاء بكافة انتماءاتها وجهاتها؛ لذلك ينبغي أن تصدر الفتاوى وتنشغل بها داخل هذا الإطار.
أما إذا ظلت تنشغل الفتاوى الإسلامية بقضية مقتل الصحفية شيرين أبوعاقلة من خلال دائرة الإسلام الخاصة، فهي بذلك سوف تفرغ عنها كل قيمة وكل معنى؛ لأنها ببساطة لا تتعلق بالدائرة الصغرى للمسلمين، وإنما هي تتعلق بالدائرة الكبرى التي تهم الإنسانية جمعاء.
لا شك أن الديانة المسيحية ليست هي الديانة الإسلامية، ولا شك أن القضايا التي تشغل المسلمين هي ليست نفس القضايا التي تشغل المسيحيين.
لكن الزج بقضية مقتل شيرين أبوعاقلة برصاص العدو الصهيوني في هذا المعترك (مسيحية ومسلمين) يمكن أن يوجهه وينساق وراءه العامة لكن أن يسيطر على من يتصدون للفتاوى الإسلامية، فهذه هي الطامة الكبرى.
ما أن ينساق العامة حول قضية بتحويلها من قضية عامة إلى قضية خاصة، فينبغي مباشرة أن يوجه أصحاب الاختصاص وأولو النهى هؤلاء العامة إلى وضع القضية في موضعها الصحيح، ويحولون كل الاهتمام إلى خطورة هذه القضية على الإنسانية جمعاء، فهي قضية تشغل الناس أجمعين لا تشغل المسلمين فقط حتى نربطها بالانتماء الإسلامي.
جزء من ازماتنا نحن المسلمين اليوم هو عدم تمييزنا للقضايا التي تتعلق بالمعتقد كمسلمين أو تلك التي تتعلق بالإنسانية أو تلك التي تتعلق بالمواطنة.
فإن كانت هذه الأزمة غابت عن العامة لهان الأمر لكنها وللأسف غابت أيضا حتى على أصحاب الاختصاص في الفتيا، فيا للحسرة على المسلمين، فهم في توهان لا يميزون بين ما يهمهم كمسلمين فقط وما يهمهم كبشر ينتمون للإنسانية جمعاء.

صحيفة الانتباهة

Exit mobile version