يتأرجح عدد هؤلاء الأطفال الضيوف في السجن في أقل حالاتهم 35 بينما وصل عددهم في بعض السنوات الماضية إلى 98 طفلاً (اندبندنت عربية – حسن حامد)
داخل أسوار سجن أم درمان للنساء في السودان أطفال أعمارهم بين عامين وأكثر، لم يجيئوا إلى السجن مجرمين أو محكومين، بل دفعت بهم الأقدار كرهاً إلى ما وراء القضبان بصحبة أمهاتهم، حسب ما كفلته قوانين ولوائح السجون للأمهات المحكومات اصطحاب أطفالهن الذين هم تحت عمر السنتين معهن إلى السجن، ضمن أولئك الأطفال من عانق الحياة وراء القضبان، ومنهم من جاءت بهم الحضانة مع أمهاتهم المحكومات بأحكام مختلفة ومتفاوتة إلى السجن، كلاهما يعيشان خلف القضبان، اكتسبا وجودهما بالميلاد والأمومة وفق ما كفله القانون بالسماح بإبقاء الطفل الرضيع مع والدته داخل الأسوار.
عشرات الأطفال
ويتأرجح عدد هؤلاء الأطفال الضيوف في السجن في أقل حالاتهم 35، بينما وصل عددهم في بعض السنوات الماضية إلى 98 طفلاً، غير أن العدد ليس ثابتاً، يزيد وينقص، وحسب انقضاء فترة حبس الأمهات أو دخول أخريات إلى السجن، لكن الثابت أنه ظل دائماً هناك العشرات من الأطفال برفقة أمهاتهم داخل السجون، فما مصيرهم، وكيف يعيشون، وكيف يكون مصيرهم، وأين تنتهي بهم الحال؟
وفق مصدر بالسجون، فإن قوانين ولوائح السجون تكفل للأطفال مصاحبة أمهاتهن بحيث لا يتجاوز الطفل عامين من عمره نسبة للحاجة الإنسانية والعاطفية للاثنين لبعضهما البعض في هذه السن من حيث الرعاية والعناية، أما بقاء الطفل مع والدته بالسجن ما بعد سن الثانية فشأن تقديري من صلاحيات الجهة المختصة بالسجن، بحسب الاعتبارات والدواعي التربوية والإنسانية لاستمرار بقائه مع والدته في السجن، مبيناً أن الأمر قد يخضع إلى مشيئة الوالدة أو الوالدين معاً، إذا لم يكونا منفصلين، على الرغم من أن الأمر يبدو ذا صلة بقانون الأحوال الشخصية في ما يختص بتنظيم مسألة الوصاية، والوصي الذي له حق القرار في هذا الشأن.
وقال المصدر نفسه، إن الوضع القانوني للأطفال بالسجون بصفتهم مرافقين لأمهاتهم، لذلك تتم إضافة الطفل بأمر السجن نفسه الخاص بوالدته، أو ربما يجيء محالاً بأمر من محكمة، أو ربما يولد الطفل أثناء محكومية أمه بالسجن، وفي هذه الحالة الأخيرة لا يجوز قانوناً الكتابة أو التدوين في شهادة الميلاد أن مكان الولادة هو السجن، بل في مستشفى حكومي.
من السجن إلى المدرسة
على الرغم من ذلك، يقول المصدر، “لدينا تجارب في بقاء بعض الأطفال مع أمهاتهم بالسجن حتى بلوغ سن دخول المدرسة (7 – 8) سنوات، بل إن هناك من كان يذهب إلى المدرسة من السجن ويعود إليه، وسبق أن نظمت إدارة بسجن أم درمان للنساء احتفالاً خاصاً بختان أحد أطفال النزيلات بمشاركة بعض المنظمات الإنسانية وموسيقيين كبار، مساهمة منها في إطار الدعم الاجتماعي والمعنوي لهذه الشريحة من الأطفال.
وكشف المصدر أنه سبق وطرحت مقترحات بقيام دار للرعاية خاصة بالأمهات (المصحوبات بأطفالهن) خارج السجن، إلا أن المقترح اعتبر غير عملي ولم ير النور، لذلك رؤي أخيراً، النظر في نقل الأمهات إلى سجن سوبا وتخصيصه لهن، على أن يتم تفريغ سجن أم درمان الحالي ليتحول إلى استقبال وتوزيع النزلاء فقط، وأوضح المصدر أن الأطفال، رفقة أمهاتهم، بسجن أم درمان للنساء، توفر لهم الرعاية الصحية والغذائية بإشراف اختصاصيين، كما توجد عيادة متكاملة تعمل على مدار الأسبوع، ويوفر السجن أيضاً روضة صغيرة وحضانة يشرف عليها اختصاصيون لرعاية الجوانب السلوكية للأمهات والأطفال معاً، ويسهم كثيرون من الخيرين والمنظمات في دعم الخدمات الطبية، بغرض ضمان علاج مجاني وغذاء جيد لكل لهؤلاء الأطفال.
القانون والحلول
في السياق، دعا الدكتور عبد القادر أبوه، الأمين العام للمجلس القومي لرعاية الطفولة، إلى أهمية تطبيق المادة 47، من قانون الطفل السوداني التي تنص على ضرورة إعادة التأهيل البدني والنفسي وإعادة الإدماج الاجتماعي للطفل الذي يكون ضحية لأي شكل من أشكال الإهمال، أو الاستغلال، أو الإساءة، أو التعذيب، أو أي من أشكال المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة، أو النزاعات المسلحة.
وأشار أبوه إلى أن المادة نفسها تؤكد في فقرتها الثانية على وجوب إعادة دمج وتأهيل أولئك الأطفال في بيئة تعزز صحة الطفل واحترامه لذاته وكرامته، مشدداً لدى زيارته سجن النساء بمحلية أم درمان لتفقد الأطفال هناك، على ضرورة التنسيق المستمر بين الجهات ذات الصلة، في ما يخص موضوع أولئك الأطفال، وضرورة عقد اجتماع مشترك يضم السلطة القضائية والنيابة وشرطة حماية الأسرة والطفل لدراسة أحوال الأطفال المصطحبين مع أمهاتهم، لدراسة إمكانية تطبيق نظام الخدمة الاجتماعية لهؤلاء النسوة، ومدى تطبيق المادة 47 من قانون الطفل بشقيها، والتي توضح حجية القانون في هذا الجانب.
هل تحل العقوبات البديلة ظاهرة اكتظاظ السجون التونسية؟
من جانبها أكدت مديرة سجن النساء خلال الزيارة استعدادها للتواصل مع كل الجهات العدلية الداعية إلى الإصلاح الاجتماعي والنفسي للنزيلات مثمنة دور المجلس القومي لرعاية الطفولة المستمر في تحقيق ومناصرة حقوق الطفل.
وفي الزيارة نفسها التي تمت بمناسبة الاحتفال السنوي لوزارة التنمية الاجتماعية ووحداتها الداعية إلى تحقيق سياسة اجتماعية في ظل عدالة اجتماعية منشودة تهتم بالأمومة والطفولة، أكد العميد في الشرطة معتصم عبد الفتاح، مدير إدارة السجون والإصلاح بولاية الخرطوم، دعمه أنشطة منظمات المجتمع المدني كافة شاكراً لها المبادرة القيمة.
البيئة والخصوصية
وترى الاختصاصية الاجتماعية مها عبد الرحيم النعيم أن بيئة السجون بطبيعتها الجماعية المقيدة للنساء داخل العنابر التي قد تكون مكتظة بطبيعة مساحة السجن، تبدو حياة صعبة للمرأة الأم السجينة، وهي بيئة يصعب فيها تأمين العناية المطلوبة للطفل، بخاصة بعد أن يبدأ وعيه الاجتماعي في التشكل بخصوص ما حوله وإدراك حقيقة مكان وجوده، مهما أخفتها شهادة ميلاده، وتشير النعيم إلى أن الوضع كذلك صعب على الأمهات أنفسهن سواء كن حوامل أو بعد الولادة نسبة لخصوصية نوع الرعاية الصحية والنفسية المطلوبة للمرأة في مثل ظروف السجن الذي هو حالة نفسية أيضاً، كما أن الخدمات الطبية والنفسية الموجودة في السجون مهما كانت جودتها قد لا تمثل حلاً، ولا تضاهي بأي حال التي بالخارج.
وأوضحت الاختصاصية الاجتماعية أن تحسن الحالة الصحية والاجتماعية للسجينات مرتبط بمستوى الخدمات التي توفرها وزارة الشؤون الاجتماعية كجهة رسمية، كما تعتمد في جانب آخر على بعض المنظمات والجمعيات الأهلية التي تهتم بالسجينات، مشيرة إلى أن خيار العائلة البديلة في بيئة غير سجنية هي الأنسب للطفل، مثل الحضور مع جدته أو خالته مثلاً، أما إذا فشل هذا الوضع، فإن هناك الخيار الأخير وهو إيداع الطفل طرف مؤسسة اجتماعية تتولى تربيته ورعايته، وأشارت أيضاً إلى أن أوضاع الأمهات السجينات تتحسن نوعاً ما، وفق مستوى الخدمات المتوفرة، وعكس ذلك يتدهور وضعهن مع سوء الخدمات والرعاية، وهو وضع يعتمد على وفاء الشق الرسمي ممثلاً في وزارة التنمية الاجتماعية بالتزاماتها تجاه احتياجاتهن وأطفالهن، إضافة إلى ما تقدمه بعض المنظمات والجمعيات الأهلية التي تهتم بالسجينات الأمهات.
السجن مع الحقوق
من ناحيته، أوضح المحامي والناشط في مجال حقوق الطفل علي حسن بكري أنه ليس هناك نص قانوني خاص أو محدد بشأن واقع الأطفال الذين تكون والدتهم في السجن، يجعل من مسألة الولادة في السجن سبباً لإخلاء سبيل الأم أو إنهاء محكوميتها، لذلك يستمر سجنها مع تثبيت حقها في الرعاية والعناية مثل نقلها إلى المستشفى متى تطلب الأمر سواء للولادة أو أي ظروف صحية أخرى، على أن تعاد مرة أخرى إلى السجن مع مولودها، وأشار بكري إلى أن القانون يبقي الطفل مع والدته في السجن حتى عمر معين، هو فترة الرضاعة المحددة بعامين، وقد يستمر إلى فترة أخرى غير محددة، مع الالتزام بكفالة الرعاية والنفسية والاجتماعية له ووالدته، غير أن مصير الطفل قد يخضع أحياناً إلى رغبة والدته أو الزوجين معاً في حال وجودهما وتوافقهما، إذا لم يكونا منفصلين، على الرغم من أن هذا القرار يبدو مرتبطاً بقانون الأحوال الشخصية كونه متعلقاً بالوصاية على الوالد، والوصي، عادة، هو من يقرر هذه المسألة.
وكان اللواء شرطة حقوقي ياسر عمر أبو زيد، مدير السجون والإصلاح، تفقد سجن النساء بأم درمان بحضور مديرة السجن النساء، وأكد الاهتمام بالبرامج الإصلاحية وترقية بيئة السجون في السودان لكي تتوافق مع المعايير الدولية والإنسانية المتبعة في المؤسسات الإصلاحية، وافتتح أثناء الزيارة ملعباً للكرة الطائرة ملحقاً بالسجن بهدف تفعيل البرامج الرياضية للنزيلات.
شيد سجن أم درمان (سجن النساء) في عهد خليفة الإمام المهدي قائد الثورة المهدية، عبد الله التعايشي، ولم يكن في الأمر مخططاً له كسجن، وأسند أمره إلى أمين بيت المال وتم تحويله لاحقاً إلى سجن أطلق عليه “سجن السائر”، نسبة إلى الأمير إدريس السائر الذي أسند له الإشراف عليه، إلى أن آل لمصلحة السجون في 1956 بعد الاستقلال، وكان سجن النساء قسماً مفصولاً من السجن العام للرجال، لكن في يناير (كانون الثاني) 2011 صدر قرار وزاري بتغيير اسمه من سجن النساء إلى (دار التائبات).
وحتى 1898 لم تكن بالسودان سجون نظامية بالمعنى المتعارف عليه، وعرفت السجون النظامية لأول مرة في عهد الحكم الثنائي الإنجليزي المصري ببناء سبعة سجون في كل من سنار، سواكن، دنقلا، كوبر (بالخرطوم)، الفاشر، الأبيض وبورتسودان، وصدرت أول لائحة لتنظيم وإدارة السجون في 1929 ركزت اهتمامها بالغذاء وملابس المسجونين، تم إلغاؤها بصدور لائحة جديدة 1948 تضمنت فلسفة المعاملة وتم فيها تطبيق مبدأ الإفراج بإسقاط ربع المدة عن المحكومين بأكثر من ستة أشهر تشجيعاً لتحسين سلوك السجناء كخطوة نحو الإصلاح في سياسة المعاملة.
جمال عبد القادر البدوي
إندبندنت عربية