على طريقة الرسم بالكلمات
(1)
لا أدري وقتها كم كان عمري على وجه الدقة والتحديد .. وكل ما أذكره بأنني كنت صغيراً وصغيراً جداً حينما استمعت لمحمد وردي وهو يصدح بأغنية (جيل العطاء) ..المعروفة بمقطعها الأول (جيلي أنا) والتي كتبها الشاعر المتقدم شعرياً في كل الأزمان ( محمد المكي ابراهيم) .. ولعل أغنية جيل العطاء كحال العديد من الأغاني التي اشتهرت بالجملة الأولى مثل (الشوق والحبيب) وهي الاسم الأصل لأغنية ( أنا والأشواق) للشاعر البروفيسور السر دوليب وألحان حسن بابكر وتغنى بها الفنان ميرغني محمد ابنعوف الشهير بمحمد ميرغني.. وكذلك أغنية ( ذات الفراء) للشاعر الطيب محمد سعيد العباسي ولحّنها وتغنى بها الفنان الطيب عبد الله .. ولكن الأغنية اشتهرت باسم ( يا فتاتي) والنماذج كثيرة ومتعددة وهذا ليس أوان ذكرها وحصرها.
(2)
المهم في الأمر، إنني استمعت لأغنية جيل العطاء من إذاعة أم درمان وكنت وقتها مريضاً بملارية كوستي الشهيرة .. استغرقت في سماعها .. وتجولت ما بين حلاوة النص الشعري والثراء اللحني والإيقاعي للأغنية وأدائية محمد وردي العالية والمبهرة.. وكل تلك المكونات مكتملة كانت سبباً في شفائي تماماً من الملاريا .. ومنذ ذلك الزمن وأنا في حالة ارتباط وجداني بهذه الأغنية وألجأ إليها في حالات المرض بذلك الاعتقاد القديم .. ولعلي مارست ذات الفعل في أيام مرضي الحالية بعد أن قمت بإجراء عملية استخراج ( خراج كبير) في رجلي .. ويومياً تقريباً استمع لأغنية جيل العطاء وأشعر أن الجرح يلتئم بسبب الطرب والمتعة اللا نهائية من دفقة الجمال التي سكبها ود المكي ومحمد وردي.. ولعل هذه الحادثة تؤكد تماما أن الاستماع للموسيقى والغناء المعافى هو واحد من الحلول الممكنة للعلاج دون أي عقاقير طبية .. ولعلي هنا أيضا أتوقف في الذهنية المتقدمة جداً للفنان محمد وردي .. فهو متقدم على الجميع من حيث محبته للوطن ومتجاوز للشكل التقليدي للفنان الثائر المهموم بقضايا وطنه في ظل كل الأنظمة.
(3)
قبل عامين تقريباً استضفت الصحفي الشاب محمد ابراهيم الحاج في برنامج المساء بقناة الخرطوم .. والبرنامج كان من إعدادي وتقديم المذيعة روعة الصادق .. وبعد نهاية الحلقة أثنى محمد ابراهيم الحاج على المذيعة روعة الصادق وقال لي بأنها (أعدت أسئلة جيدة) .. قلت لمحمد ابراهيم .. روعة الصادق مذيعة شاطرة ومتمكنة ولكن الأسئلة التي قلت بأنها جيدة هي من إعداد منتج البرنامج وليس المذيعة.
(4)
ولعل تلك الحادثة لا تنفصل عن منظومة مجتمعية كاملة تمارس الظلم على منتجي البرامج والذين يقومون بالترتيب (لكل شئ)، ولكن يأتي المذيع أو مقدم البرنامج ليحصد (كل شئ)، تلك هي المعاناة النفسية التي يعاني منها منتجو البرامج في القنوات الداخلية والخارجية على حد السواء .. ومن سوء حظهم انهم دائماً خلف الكاميرات ولكن يجلس أمام الكاميرات من يُنسب إليهم جهده .. أتوقف في هذه المظلمة وهي غير قابلة للتغيير وستظل كما هي.. ولكن يجب أن يعرف الجميع أن البرامج الناجحة يقف خلفها منتج برامج شاطر ويكتمل المشهد بوجود مذيع يستطيع أن يترجم أفكار المنتج.. وأقول نعم هناك مذيع شاطر ولكن الأشطر هو المنتج.
(5)
تجمعني علاقة مودة خاصة بالدكتور الفنان عبد القادر سالم .. والذي أكن له تقديرا خاصا .. وفي ذلك لست وحدي .. يشترك معي قطاع واسع من الناس .. وأتذكر جيدا في انتخابات اتحاد الفنانين .. حينما كان يتنافس على مقعد الرئاسة الموسيقار محمد الامين والدكتور عبد القادر سالم .. قلت اذا كانت رئاسة الاتحاد بأكثرية الجماهير فسيفوز محمد الامين بلا شك وتلك مسألة لا جدال فيها .. واذا كان أمر الرئاسة يتعلق بعدد عضوية اتحاد الفنانين فلن يفوز غير عبد القادر سالم .. وبالفعل فاز الرجل لأن عضوية الاتحاد تنحاز له بشكل كامل لأنه يقوم بدور الرئيس كما جاء في الكتالوج .. وشخصياً أحبه كفنان وكإنسان .. بغير الكثيرين الذين اندهشنا بهم ووجدناهم بعكس الصورة الذهنية التي رسمناها لهم .. لذلك أنصح الجميع بأن لا يقتربوا كثيراً من الذين يحبونهم من الشخصيات العامة والنجوم حتى لا تحدث أي صدمات نفسية.
صحيفة الصيحة