صلاح الدين عووضة يكتب : نموت فيها!!

أو نموت بها..

وذلك وفقاً لنص العبارة الخاصة بكلٍّ منهما؛ بكلٍّ من الشخصية المقصودة..

أو وفقاً للأسباب… ولكل شيءٍ سبب..

وليس صحيحاً مقولة تتعدد الأسباب والموت واحد..

فالموت في كذا يختلف عن الموت بكذا..

وكذلك أن تموت في فلان – أو فلانة – أو تموت به… وبها..

ومن قبل كتبت كلمة عن موت شيرين..

شيرين عبد الوهاب المطربة؛ فقد قالت إنها بتموت فينا..

فينا نحن السوادنيين..

طيب بمناسبة أيه؟… من غير ليه..

فقط بتموت فينا وخلاص؛ وقطعاً فينا من يبادلها الشعور نفسه..

من يموت في غنائها… أو فيها هي ذاتها..

وربما يموت بها… بموتها… بالحسرة عليها؛ إن ماتت وهو حي..

أو إن ظل حياً… وظل حبها حياً بداخله..

وأيام الجامعة فاجأتني زميلة مصرية بعبارة: وأنا كمان بموت فيك..

فكدت أموت من فوري… من هول الصدمة..

ثم أوشك الموت هذا أن يكون من نصيب طرفٍ ثالثٍ..

كاد أن يموت – الزميل هذا – من وقع تعنيفنا له… بعد انفضاح لعبته..

فقد أراد أن يلعب بي… وبها… وبزمن فراغه..

وما درى أن اللعب بالعواطف – سيما لدى الأنثى – هو لعبٌ خشن..

وجزاؤه لعبة أشد خشونة..

فشيرين بتموت فينا – إذن – إلا أنها حية..

فالموت حباً ليس موتاً حقيقياً؛ إلا أن يموت المحبوب فعلياً..

وحينها قد يموت بموته المحب..

ولكن هنالك أخرى اسمها شيرين كانت تموت في الحقيقة… فماتت بها..

أو ماتت بسببها؛ وهي شيرين أبو عاقلة..

كانت تعشق عملها – جرياً وراء الحقيقة – ولو على حساب حياتها..

وبالفعل فقدت حياتها هذه أمس..

وكثيرٌ من أهل السودان كانوا يموتون فيها جراء عشقها للحقيقة هذا..

أو لأنها بتموت في الحقيقة..

والذين يبادلون شيرين الأولى موتاً بموت لا يموتون في الثانية هذه حتماً..

وربما لا يهتمون بموتها من الأساس..

دعك من أن يموتوا به… أي تكاد أنفسهم أن تذهب عليها حسرات..

فهم شبيهون بمعجبي شبيهتها هيفاء وهبي..

وهي التي كتبت عنها أحلام مستغانمي ذات مرة: (دافعوا عن وطن هيفاء)..

كتبتها على سبيل الاستهزاء..

كما أنهم شبيهون – محلياً – بمعجبي من تُسمى عشة الجبل..

أو ربما هم بعضٌ منهم..

تماماً كما أُعجب بها تلفزيوننا القومي فاستضافها أيام العيد..

وقيل إنه دفع لها نحو مليار من حر مالنا..

أو فلنقل: من حر فقرنا المدقع..

بل واستقطع من زمن نشرته الرسمية ما يسمح بمزيدٍ من الترويج لها..

استقطع عشر دقائق حتى لا (يقطع) إعلانها..

ونعني الإعلان عن مقابلة معها في شاشة ما كانت تعلن إلا عن العمالقة..

عمالقة الطرب السوداني الأصيل..

عن وردي… زيدان… محمد الأمين… إبراهيم عوض… وأحمد المصطفى..

كما لم يكن يطل عبرها إلا مذيعون أصيلون..

مذيعون لا يقلون أصالة عن نظراء لهم بقناتي الجزيرة والحدث هذه الأيام..

وفي هذه الأيام ظهر من يقتدي بمذيعي القناتين هذين..

وانحصر الاقتداء هذا – سيما من تلقاء مذيعاتنا – في الضغط على اليوم..

أو على كلمة اليوم..

ثم لا شيء آخر خلاف الضغط هذا… ليرتفع ضغط كل من يتابعهن..

وشخصياً بت أنفر من نشرات أخبارنا المرئية..

فما معنى أن تتابع نشرة وأنت لا تفهم من قارئتها حرفاً واحداً؟..

فهي إما تصرخ… وإما تغمغم..

والكلمة الوحيدة التي أفهمها منهن هي اليوم بعد الضغط المؤذي لها..

فأتأذى أنا؛ وكثيرٌ من المتابعين الآخرين..

والبارحة قرأت حديثاً للعالم النفساني علي بلدو عن مذيعاتنا هؤلاء..

قال كأنهن هبطن على فضائياتنا من الفضاء..

واستثنى منهن أربعاً فقط..

والأخريات – قال – لا علاقة لهن بالإعلام… ولا الشاشات… ولا الميكروفونات..

أما شيرين أبو عاقلة فكانت تحلق بنا في الفضاء..

تحلق بنا في فضاءات من متعة اللغة… والحضور… وحلاوة النطق..

فكنا نموت فيها… بسبب ذلك..

وبالأمس حلقت روحها – هي نفسها – في الفضاء ذاته… ارتقاءً إلى السماء..

فكدنا نموت عليها حسرات..

ونموت بها!!.

صحيفة الصيحة

Exit mobile version