في الذكرى الثالثة لمجزرة فض الاعتصام .. شهود عيان يرون تفاصيل مروعة!!

في الحلقة السابقة توقفنا عنج محطة الانسحاب عبر شارع البلدية والتي رواها لن الشاهد الثالث ونواصل معه اليوم حيث قال : ” لا حظنا أن قوات الدعم السريع المرتكزة في تلك على طول الشارع تزداد شراستهم تجاه (الكنداكات)”، وأضاف : اذكر كانت معنا (كنداكاتين) هجموا عليهن بقوة واصبحوا يضربونهم بلا رأفة ، ولكن الثوار صمدوا تجاه هذا العنف حتى استطاعوا حمايتهن وعدم السماح للجنجويد باسرهن، ومع الإنسحاب، صاح احد الثوار ترسوا يا ثوار مافي ضمان الناس ديل ممكن يحصولنا، وبعد ذلك بدأنا التتريس مع الانسحاب ، وكنا نُشاهد تاتشرات نقطة ارتكاز شارع البلدية بدأت في التحرك نحونا ولكن التروس أعاقت حركتهم فبدأوا يطلقون الرصاص، وقال” بعدها وصلنا شارع المك نمر ووجدنا ان هناك تاتشرات قادمة من اتجاه الشمال والجنوب أشبه بالحصار ولكن تفرقنا في ازقة السوق العربي وخرجنا قرابة الساعة الرابعة مساء، وتوجهنا تجاه مستشفى فضيل لتفقد الجرحى والمصابين.”

المجزرة النفسية :
وفي السياق بدأ شاهد العيان الرابع افادته وكانت الحسرة والالم تظهران على ملامح وجهه ونبرات صوته تكسوها الحشرجة ، وكأن مشهد فض الاعتصام يمر امام ناظريه وقال لـ(لجريدة) : من المشاهد التي شاهدناها في ذلك اليوم والاحساس الأليم الذي عشناه قد لا أستطيع أن أدلي بشهادتي أو بالأحرى لا أعلم من اين أبدأ حديثي او كيف اصف ذلك المشهد المروع؟، لكني أستطيع أن أقول إنها من أسوأ الايام التي مرت علي طوال حياتي، ومازلت أعاني من اثار المجزرة النفسية وحتى الان لا أتسطيع التخلص منها، ثم عاد بذاكرته مضيفا : كنا نجلس قبل يومين من المجزرة في ترس بوابة المطار الذي يقود الى القيادة العامة وفجأة وقف الى جوارنا رجل كبير في السن بعربته ، ودار حوار بيننا وبينه، وكان مسرعاً وقال لي منبها يا شباب “دايرين نطلع الشاشه الكبيرة سمعنا أخبار عن فض الإعتصام ومافي أمان” فأجابته يا عمنا الإعتصام ما بنفض ونحنا قاعدين، ثم اعقب ذلك بصوت كله ملأته الحسرة “وياريت لو ما قعدنا .”

تحركات مريبة
وأشار الشاهد الرابع الى انه و مع اقتراب العيد بدأ عدد المعتصمين في التناقص لتحضيرات العيد والصلاة ، وعقب الإفطار بدأت تظهر تحركات مريبة من قبل القوات النظامية بالاضافة الى دخول اشخاص يبدو أنهم من جهاز الامن ، واستدرك قائلا: لكن لا يوجد ما يثبت انهم يتبعون لجهاز الأمن ، وعند الساعة الثانية عشر صباحاً لاحظنا دخول سيارات “بكاسي” وهي تحمل صناديق الى القيادة العامة ولم نكن نعلم ما بداخلها ومنذ تلك اللحظة اصبح المشهد واضح وتيقنا بأن هناك اتجاه لفض الاعتصام .

التتريس بالطوب والحديد:
وفي رده على سؤال “الجريدة” بعد تلك التحركات هل قرر المعتصمين الخروج من ساحة الاعتصام ؟ رد قائلا بالطبع لا بل وشرعنا في ذلك الوقت في ” التتريس ” بالطوب والحديد وكل شيء واستغرقت عمليات التتريس حتى الساعة الثانية صباحاً وبعد ذلك صدر بيان من تجمع المهنيين السودانيين داعياً الشعب السوداني والثوار للعودة الى ساحة الاعتصام وحذر من ان هناك محاولات فض، وبعد ذلك قدم عدد من الثوار من ناحية النفق من بينهم عدد من اصدقائي وكان ذلك حوالي الساعة الثانية صباحا ودخلوا الى القيادة ، وكانت الهتافات تعلوا باصوات عالية تشق عنان السماء، ومكث البعض الاخر من الثوار في وضع المتاريس” من ناحية النفق.

وزاد : وعند الساعة الرابعة صباحاً دخلت عدد من “بكاسي” الدعم السريع من جهة النفق بأول شارع لجهة ان ذلك الشارع كان الوحيد الذي لم يتم تتريسه ، وبعد ذلك دخلت كمية كبيرة من تاتشرات قوات الدعم السريع ايضا وبعدها ” 5 بكاسي جديدة تشبه سيارات جهاز الأمن وكانوا يرتدون زي الشرطة وظلوا واقفين من الناحية المقابلة لنا ومنذ تلك اللحظة (قنع) الثوار من مواصلة التتريس ، ووقفنا بالقرب منهم مرددين هتافنا ثم قلنا لهم سوف نترس بأجسادنا ولكن بعد قليل سمعنا صوت ضرب قادم من شارع النيل وركض بعض الثوار .

كشة اول شهيد:
ويواصل الشاهد السادس في استعادة أحداث المجزرة ويقول ” عند الساعة السادسة صباحاً زاد ضرب النار بإطلاق الرصاص الحي مما ادى الى هروب عدد كبير من المعتصمين الى بري ، اما انا وبمعية ثلاثة “تروس” كنا نقول ليهم ما تجروا وتتركوا الاعتصام في مواكب قادمة فأصبحنا نحاول أن نثبت بعض الثوار الذين شعروا بالخوف حتى اصيب أحدنا في قدمه برصاصة وتم نقله الى مستشفى رويال، وبعد ذلك نزل العساكر الذين كانوا يقفون بالقرب منا ، واعتدوا على الثوار بالضرب بالهروات و”الخراطيش”، ومن ثم ذهبت الى مستشفى المعلم في انتظار المواكب القادمة حتى نعود مرة أخرى واثناء ذلك ظهر أمامي عساكر قادمين من كبري كوبر يرتدون زياً أسود لا أعرف لأي جهة يتبعون ، ودخلت الى مستشفى المعلم وكانت الابواب مغلقة بالطبلة وجدت عدد كبير من الفتيات وهن يحاولن الدخول، ثم تسلقت على الجدار ودخلت و كسرت الطبلة وفتحت لهن الباب وأدخلتهن واغلقته مرة أخرى والعساكر كانوا قادمين باتجاهنا فأغلقنا أبواب المستشفى علينا وعادوا أدراجهم وظللنا بداخلها.

واضاف : واثناء جلوسنا أمام باب الطوارئ لمستشفى المعلم تم جلب اعداد كبيرة من المصابين وكان اطلاق الرصاص مستمر وتمت اصابة العسكري الذي كان يقف امام باب المستشفى بطلقة ومن ثم امتلأت المستشفى بالمصابين مما ادى الى تنويمهم على الارض لتلقي العلاج ، وزاد وكان اول جثمان يدخل المستشفى جثمان الشهيد كشة وبعد ذلك دخل عدد من الثوار في صدمة، وبعد عشرة دقائق جاؤا بعسكري تمت اصابته برصاصة، وكانت هناك فتاة تصرخ وتطلب الخروج لأن أمها خارج المستشفى واضطر الأطباء لاعطائها حقنة مهدئة ، ووصف مشهد ذلك اليوم بالمأساوي.

رعب وخوف :
وعاد الشاهد السادس ليواصل افادته “عند العصر بدأ صوت الرصاص يخف وكان عدد الشهداء قد ارتفع الى 9 وتم وضعهم في فرشه على الارض وتمت تغطيتهم بالاعلام وتم نقلهم الى المشرحة بدفار يتبع للمستشفى ، وفي تلك اللحظة شعرنا بالصدمة وشعرنا بالاحباط الشديد ونحن نشاهد أمامنا النيران تشتعل داخل الخيم والعساكر ظلوا يتجولون حول المستشفى حتى لحظة دخول المغرب وحللنا صيامنا من مياه الماسورة الساخنة وبعد خروجنا من المستشفى جاء عساكر تابعين للإستخبارات كانت لديهم ليهم خيمة بالقرب منا وتعرف علي أحدهم وكان يبكي و قال لي حمدلله على السلامة فرددت عليه والغضب يتطاير من عيناي ” ما كويسين ولاشي اختونا بس“

فرقة انقاذ تحاصرها الشكوك :
وتابع وكان مع العساكر نقيب فاقترح علي أن يقوموا باخراجنا وذكر (الناس ديل ما مضمونين احتمال يجو داخلين ليكم هنا) ولكننا رفضنا الخروج معهم وقلنا لهم لن نغادر ونترك المصابين وشككنا في نواياهم وقلت له وكيف نضمنكم بعد ماحدث ، لكن بعد حوار دار بيننا خرجنا معهم وخطر لنا أن نخرج في مجموعة كموكب وفعل قامت تلك القوة باخراجنا حتى الكبري وأثناء مغادرتنا عمد بعض أفراد الدعم السريع الى استفزازنا ( شابكننا ما قلتوا صابنها ووجهوا لنا اساءات لفظية ) وركبنا في بوكس وعبرنا الكبري وبعد ذلك واصلنا طريق العودة الى منازلنا سيرا على الأقدام، وكنا كل ما نتقدم نسمع صوت ضرب رصاص ، ووصلت الى المنزل عند العاشرة مساء في الليلة الثانية لفض الاعتصام وكان معي رفيقي الذي كان يقف معي في ترس القيادة وقد قدم من مدينة الابيض ومنذ تلك الليلة لم ألتق به.

فدوي خزرجي
صحيفة الجريدة

Exit mobile version