حيدر المكاشفي يكتب: عودة الجنجويد..عودة الجريمة المنظمة

في تقريرها الضافي عن حادثة منطقة كرينك الكارثية والدامية، استوقفني عنوان صحيفة الشرق الأوسط الذي صدرت به التقرير وجاء فيه (تحذيرات من توسع العنف في دارفور مع عودة الجنجويد)، وأوردت الصحيفة جملة شواهد ومشاهد وحيثيات وافادات تدعم هذه العودة، فتساءلت، بيني وبين نفسي هل مازال هناك وجود لهؤلاء الجنجويد حتى يعودوا لممارسة همجيتهم وبربريتهم وجرائمهم الفظيعة مرة أخرى، فقد كنت أظن أن تلك المليشيات المرعبة من شاكلة جنجويد وتورا بورا وبشمرقة لم يعد لها وجود، وأنها اندثرت وتلاشت وطواها النسيان وحلت محلها تشكيلات أخرى بمسميات جديدة، ولكن هاهو تقرير الشرق الأوسط (المخدوم) يؤكد أنها مازالت موجودة، وإن تراوح وجودها وظهورها ما بين مد وجزر ونشاط واستكانة وخلايا حية وخلايا نائمة ولكنها لم تختفي تماما.. إن مجرد ذكر عبارة (الجنجويد) يعيد للأذهان خبر تلك الجماعة المتفلتة التي قيل في تعريف مسماها أنه اختصار لـ(جن، جاء، راكب جواد وشايل جيم ثري)، وأحيانا يتم اختصارها في عبارة (جنجا) الأقرب لفظا لـ(نينجا)، والنينجا هي تلك العصابات اليابانية الخطيرة التي تتقارب مع الجنجويد في المسمى والأفعال والخطورة والفظاعة والفظاظة، ويطلق بعض المساخيط على من يرتدين النقاب الأسود من النساء مسمى (النينجا) ربما بعامل الغطاء الأسود عند كل، وكان مصطلح الجنجويد قد راج وذاع وانتشر حتى بلغ درجة العالمية ودخل المعاجم الأعجمية واحتل مكانه على خشبات المسارح ودور السينما على مستوى هوليوود، وطاف على الكونغرس والأمانة العامة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وبلاد تركب الأفيال وأخرى تموت من البرد حيتانها، ثم من بعد الشهرة السالبة التي وجدتها جماعة (جن راكب جواد وشايل جيم)، أطل علينا زمان جماعة (راكب موتر وشايل كلاش)، وعصابات (تسعة طويلة) التي تستخدم المواتر أيضا، ليحتل هؤلاء الأخيرين مكان السابقين من النهابين، في وراثة عجيبة لتراث العنف والقتل والسطو والنهب والسلب وإشاعة الذعر وبث الفوضى، وتعاقب أجيال الفواجع والمصائب والمحن التي لا تأتي فرادى بل محنة تعقبها فاجعة تليها مصيبة وهكذا دواليك، فدلاليك الحروب والصراعات لم تكف لحظة عن الرزيم إلا بالمقدار الزمني الذي يسمح بنقلها إلى مكان آخر، وستظل هذه الكأس دائرة ما ظلت ثقافة الحرب هي السائدة، وثقافة الحرب لا تسود إلا حين تضمر الدولة ويتضخم الحزب وتغيب قيمة المواطنة وتصبح المليشيات هي من يأخذ الحق والقانون بيده، وعندما تسود العنصرية، ويتوهم مكون ما أو جماعة ما أنهم الأعلى شأنا من الآخرين، يضطهدونهم ويهمشونهم، ويشردونهم عن اراضيهم وديارهم ويستبيحون مالهم واملاكهم ويسبون ويغتصبون حرائرهم، فحتما ستغيب قيم التعايش والتسامح والتنوع ويستشري البؤس والدمار وسفك الدماء، وهذه للأسف هي نذارات ونذر عودة الجنجويد..

صحيفة الجريدة

Exit mobile version