(1) منذ زمن ليس بالبعيد قال الفيلسوف الفرنسي سارتر (الآخرون هم الجحيم) واعتقد أن السيد سارتر لم يرد التعميم، وانما أراد أن يخصص فئة أو طائفة أو جماعة أو حزب أو كيانات بعينها. (2) والسودان كمثال، وانت تنظر الى موارده الطبيعية التي جعلت لعاب الحكم التركي يسيل لها، فغزا السودان كما قال باحثاً عن الذهب وسن الفيل والرجال، أي انه كان يبحث عن الموارد البشرية والطبيعية معا، ثم سار على نهجه ودربه الآخرون، واسوأ هؤلاء الآخرون، هم من جاثوا خلال الديار السودانية، وخلال ثلاثة عقود كالحات عجاف، مظلمات ظالمات، جاثوا فيها من الفساد والمفسدين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر ببال أعظم فاسد في العالم، (ياناس في زول بسرق شجرة صندل، اها ديل قطعوا تلك الشجرة المعمرة وباعوها، ديل باعوا خط هيثروا، وحتى الآن ما معروفه نهاية حكاية هيثرو، ديل كل فاسد جامبو استحوذ على مربع أو مربعين في الاحياء الراقية، واعتبر نفسه وريث عزيز كافوري، غايتو الفساد في عهدهم وصل إلى الاضنين). (3) وأظنك ياعزيزي القارئ، عرفت عذاب المغني وعذاب الشعب السوداني الذي اكتوى بنيران حكم الكيزان، وعانى وقاسى من سوء اداراتهم للدولة السودانية، وتبديد مواردها الطبيعية والحجر على عقولها البشرية من المشاركة في حكم البلاد إلا بعد إعلان انتماؤها إلى الحركة الاسلاموية أو حزب المؤتمر الوطني البائد، حيث صار الولاء للوطني(الحزب) مقدماً على الولاء للوطن السودان، وصار الانتماء للحركة الإسلاموية فيه المغنم والمكسب والربح المادي. (4) إذا الآخرين الذين هم الجحيم الذي عشنا معهم وبينهم خلال ثلاثة عقود خلت وضاعت هباءً منثورا، هم معروفين بسيماهم، وتعرفهم في لحن القول وفي التشدق بالوطنية وفي المتاجرة بالدين وبالوعود البراقة وفي المكر السيء وحقدهم الدفين على المواطن الاغبش المسكين، وفي التضييق عليه في معاشه، حتى لا يتمكن من رفع رأسه والمطالبة بحياة إنسانية كريمة. (5) أظنك عرفت أن الكيزان والمتكوزنين، واتباعهم أي اتباع كل نافع، هم الجحيم الذي كان يعيش فيه غالبية الشعب السوداني، ثم جاء من بعدهم خلف ورثوا ذات النهج، ومارسوا ذات الأساليب، الا أنهم هم الانقلابيون، ومناصروه ومؤيدوه والداعمين له من كل الفئات وخاصة مايسمونه الإدارات الأهلية، التي تركت العمل العام و الاجتماعي وانكبت بكل جوارحها على العمل السياسي، الذي فيه ذهب المعز وذهب جبل عامر، فهؤلاء الاكلون والشاربون من كل مائدة، لم نر لهم نفعاً، ولم نشهد أنهم ساعدوا في حل معضلة، همهم واكبر مبلغ علمهم، مصالحهم الشخصية، واليوم هم يزينون للناس حب العسكر، ودعمهم ومساندتهم وشرعنة انقلابهم، ثم يضيقون ذرعاً لثورة ديسمبر المباركة، مع علمهم التام أنه لا يوجد شيء يحل محلها، لذلك ستظل ثورة ديسمبر المباركة ماضية نحو غاياتها، مهما تكالب عليها المنافقون والارزقجية والمنتفعون من بقايا النظام البائد، او من سدنة الإدارات الأهلية أو من الذين يحللون أكل الميتة (الفطيسة) ومساندة السلطة الإنقلابية، تبت يد اعداء الثورة.
صحيفة الجريدة