سؤالات د. ناجي أم سؤالات الحائرين 2

أما سؤال د. ناجي الثاني فهو : في الإسلام، من هو المسؤول عن إقامة الدين والمحافظة عليه سواءٌ بالأصالة أو بالوكالة؟
يقول د. ناجي والجواب بإذن الله هو: إن المخاطب بالدين ابتداءً وانتهاءً هو الإنسان عموماً والمعتنق للدين خصوصاً، (يا أيها الناس)، ( يا أيها الذين آمنوا)، وكل خطاب القرآن يتوجه للمجتمع أفراداً في المقام الأول وأمّةً واحدة في المقام الآخر من أجل إقامة الدين والحفاظ عليه، والأمة المسلمة بهذا مأمورة بأن تقيم الدين على مستوى الفرد، والعلاقة الزوجية، والأسرة، والعمل، والممارسة الحياتية، وإدارة شأن العامة، والعلاقات الخارجية والداخلية، (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) ومن الواجب على الأمة في سبيل ذلك أن تقوم بما من شأنه رعاية المحافظة على الدين، من مناهج ومؤسسات للدعوة والتربية والإعلام والرياضة والفنون، بحيث تتابع الأمة عبر مؤسساتها هذه حركة الدين وحركة المجتمع في هديه. وعلى رأس هذه المؤسسات الحكم والإمامة من أجل رعاية مصالح المجتمع التي يراها ويؤمن بها، وليس لكل هذه المؤسسات ومنها مؤسسة الحكم إلا أن تأتمر لرغبة الأمة في تنفيذ مطالبها هي وليس مطالب تلك المؤسسات ولا رؤاها التي تتعارض مع إذن الأمة ورغبتها. ولهذا ما أقام النبي الكريم الهادي دولة المدينة على هدى الإسلام إلا طواعية بعد قبول الأنصار وإذنهم ومبايعتهم فكانت الإمامة تعبيراً عن هذه الإرادة الجماعية وليس حملاً بالإكراه للأمة بما يستهوي الحاكم أو يوافق دينه.
وفي سبيل ذلك تكون الأصالة هي للأمّة تحرسها عبر مؤسساتها الدعوية والعلمية والإصلاحية حتى تتشكل كل الحياة وفقاً لهدي الدين، فتكون التجارة والصناعة والسياسة والتعليم والإعلام وفقاً للدين، وعندها فلا معنى لقولنا جماعة إسلامية، وجامعة إسلامية، وبقالة إسلامية، وقناة إسلامية، وحزب إسلامي، لأن الحياة كلها تسير وفقاً للدين حيث لايرتضي الإسلام درجةً واحدة دون هذا المستوى في تدين أفراده به وفهمهم لنظامه الحضاري.
لا نخالف د. ناجي ههنا إلا في نقاط معدودات وهي أولا خطاب الإسلام هو للمؤمنين أفرادا وجماعات ومؤسسات والمؤسسات ما هي إلا جماعات عمل ينظمها القانون وغالب خطاب القرآن هو يا أيها اللذين آمنوا فلو كان لذلك دلالة من دلالات الخطاب فهي أن التكليف يقع على أمة المؤمنين جماعة أولا ولا أقول أصالة فالأوليه ههنا لا تنفي أصالة الخطاب ولا التكليف عن الأفراد والجماعات لكن مسؤولية الأمة تأتي قبل الأفراد فالأمة هي المأمور بالدعوة للدين وإقامته والافراد مدعوين للإيمان بالدين وألتزام تعاليمه وأوامره ونواهيه ولأمة المؤمنين ولاية على الأفراد بالحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو تكليف جماعي قبل أن يكون تكليف فردي وللأمة ولاية على أفرادها بالحسبة والقانون والنظام الشرعي العام وآية ذلك أن جعل للأمة أن تفرض وصايتها على الفرد فيها أن كان ناقص الأهلية أوسفية والآية واضحة(وَلَا تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَٰلَكُمُ ٱلَّتِى جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰمًا وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا)
والأمة لها ولاية على مؤسساتها وحكامها فهي من توليهم الأمر فيصبح واحدهم فيها أمير في محل المفعول وليس آمرا في محل الفاعل ذلك أن الأمر مثل المال هو أمر الأمة(وأمرهم شورى بينهم) فنسب الأمر إليهم وليس لواليهم. لكن الخطاب بالتكليف يتنزل على جميع المستويات على الأمة ومؤسساتها و حكومتها وأفرادها فجميعهم مكلفون بالأصالة بإنفاذ الأمر الإلهي لا تعتذر الأمة بتقصير أفرادها ولا الأفراد بتقصير الجماعة ولذلك لا يصح أن يقال أن التكليف بأوامر الدين ونواهيه يتنزل على الأفراد وحدهم أصالة وغيرهم وكالة أو يقال ذلك للجماعات وحدها أصالة وغيرها وكالة أو أمة المؤمنين مجتمعة وحدها أصالة وغيرها وكالة بل أن الأمر يتنزل على الجميع أصالة ويسئل عنه الجميع. فكل الناس راع ومسؤول عن مهمته وتكليفه الذي كلف به. ولذلك فإن واجب الدعوة للإقامة الدين واجب فردي وجماعي ومؤسسي وواجب لنظام الحكم والدولة ولا يمكن إستثناء طرف من هذه الأطراف من التكليف ولذلك وجب على الفرد أن رأى مخالفة ومنكرا ينكره الدين أن يعمل على تغييره فأن إقتضي ذلك تعاونا وأنتظاما مع غيره صار ذلك التعاون والأنتظام فرض كفاية عليه كذلك الجماعة أن أمكنها تغيير المنكر وأثبات الحق بعملها وحدها فقد كفت وألا صار عليها فرض كفاية إن تتناصر مع غيرها من الجماعات والمؤسسات لإقامة الدين. وأما إن ذلك كله يتم بطواعية وبلا أكراه فلا يحتاج للذكر أصلا فأمر الدين كله يتم بطواعية وبلا أكراه وكل عمل عمله صاحبه بالإكراه فهو غير ذي إعتبار فأن أكره على شر فلا يصيبه عقاب وإن أكره على خير فلا يناله ثواب. وإقامة الدين كله طواعية ولا يكون إكراه إلا على قانون أو أمر التزمت به الأمة بنفسها لأن الدين إمتثال طوعي وحتى تنفيذ أمور الشرع لن تتنزل إلى الواقع مالم تمتثل إليها الأمة فكيف لأحد أن يكره أمة كاملة العدد من الناس على أمر مهما يكن خيرا كان أم شرا . فأمر الطوعية أمر معلوم من الدين بالضرورة فالدين نفسه أمتثال طوعي فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. وما قامت الجماعات الإسلامية ولا الأحزاب الإسلامية وتسمت بتلكم الأسماء إلا للدعوة لإستكمال تنزيل الدين على الحياة بعد أن أبعد عن حياة المسلمين بالقوة الجبرية الإستعمارية ثم بعملاء الأستعمار ووكلائه وأزلامه وأهل الغفلة من أبناء المسلمين. لكني أقر أني لم أفهم ماذا يفيد أمر طوعية العمل د. ناجي في مرافعته ضد الحزب الملتزم بمرجعية الدين والتي يسميها ناجي أيدولوجيا.
نواصل بأذن الله
د. أمين حسن عمر

Exit mobile version