بدأت مهزلة سرقة الثورة حين تم تقسيم الشعب السوداني إلى قسمين، شعب البطة البيضاء الذي وقع على وُريقة إسمها إعلان الحرية والتغيير وهذا الشعب له الحق في المشاركة في صنع المستقبل، وشعب البطة السوداء الذي لم يوقع على تلك الوُريقة وبالتالي تم تجريده من حقه في تحديد كيف يُحكم ،بل عليه أن يخرس ويستمع إلى أبناء البطة البيضاء !
وبعملية قيصرية متعثرة انجبت قحط – بعدما قضى العسكر منها وطرا- (الوثيقة الدستورية) التي تحولت إلى إنجيل مقدس يطوف حوله كهنة قحط الكبار ويرقص حولهم القطيع مرددين شعارات الاقصاء والعنف والدوس والبل وينتشون كلما قدم لهم الكهنة الكبار ربطة برسيم عبارة عن خبر عشرات مليارات الدولارات التي تم العثور عليها تحت بلاط حمام زوجة احد المسؤولين أو مليارات ممليرة في بنوك بعيدة وراء البحار مبعثرة في كوالالمبور وجزر الباهاما وبحر البلطيق وقمة جبال الهامالايا، فيأكل القطيع ذلك العلف الشهي الذي يتولى نشره ذبابهم الإلكتروني ثم يخلدون إلى النوم على أنغام (شفاتة جا بوليس جرا، والشاي بي جاي، وحتسقط ونعرس كنداكة ،ودرشونا والبنوت نيام، وأي أي أي فلان قال أحي) بينما يعود كهنة قحط الكبار إلى غرفهم المظلمة يتقاسمون الوزارات والكراسي ويمسحون عن شواربهم دم الشهداء ويصنعون علفا جديدا لإطعام القطيع الطيب الساذج، ويعود العسكر إلى بنادقهم ينظفونها في انتظار اللحظة المناسبة للإنقضاض!
والعجيب ان انجيل قحت المقدس تم اكتشاف اخطاء قاتلة فيه بعد توقيعه أمام العالم وبحضور شهود من الاتحاد الافريقي ومنظمات دولية فاجتمع قساوسة قحت بليل وحرفوه واقسموا ان تظل عملية التحريف طي الكتمان ولكن مع أول خلاف فضح بعضهم بعضاً وتحدث الأمين العام السابق لحزب الأمة ابراهيم الأمين عن ذلك التحريف على الملأ!
ولم يسبق في هذا العالم أن يتم النص في الدستور على حصر السلطة في فئة معينة من الشعب إلا في دستور سوريا البعثية حين اشار الدستور إلى ان حزب البعث هو الحزب الرائد والحاكم ولكي تمارس السلطة يجب ان تؤمن بالبعث، ولم يتكرر هذا الجنون إلا مع إنجيل قحت المحرف والذي اشترط ان تؤمن بإعلان قوى الحرية والتغيير لكي تشارك في صناعة مستقبل السودان!
العجيب ان ذلك الهراء الفاخر تم تقديمه على أنه إنجاز تاريخي وصفق له القطيع دون ان يتمعن فيه لأنه كان تحت تأثير بعض المخدرات الثورية شديدة المفعول التي تشبه الآيس فتجعل متعاطيها مسلوب العقل والتفكير مزهوا بالتخيلات فيرى العجوز الشمطاء وكأنها الكنداكة كيم كارداشيان!
في تلك اللحظة بالتحديد – لحظة توقيع الوثيقة الدستورية الملعونة- بدأت مهزلة سرقة الثورة عبر فصولها المختلفة (فصل حمدوك، فصل الحكومة الأولى فصل الحكومة الحزبية، فصل قرارات 25 اكتوبر، فصل عودة حمدوك، فصل استقالة حمدوك، فصل رئيس الوزراء المدني القادم، ثم فصل انهيار السلم الأهلي والدولة والموت والحرب الأهلية ) وستستمر فصولها التي لن تنتهي قريباً .. مع التأكيد ان هذه ليست مراحل جديدة بل مجرد فصول واهتزازات ارتدادية لجريمة قحت في السودان والتي تتحمل مسؤوليتها كاملة نتيجة ممارساتها الصبيانية وعبثيتها المدهشة، ومحاولة جعل اللامعقول معقولاً.. فكل ما بني على مهزلة لن يكون إلا مهزلة.
وحين كتب هشام الشواني مشيراً إلى أن الثورة سرقت وتحولت إلى طقوس تؤدى وحالات هيجان ثوري ومَواكب فاقدة للبوصلة وذكريات جميلة وكربلائيات حزينة وأن كثيرا من يؤدون تلك الطقوس لا يفهمون معنى الحرية وحقوق الإنسان، لم يكن يتوقع أنهم سيثبتون صحة كلامه بالشولة بعد عدة أيام حين قام بعضهم بسحله وضربه وشج رأسه وتحطيم عربته وكادوا أن يقتلونه في إحدى المتاريس وهم يرددون حرية سلام وعدالة دون أن يطرف لهم جفن!
للأسف حاولت الاحزاب السياسية تحويل احلام الشباب المشروعة في الحرية والسلام والكرامة وطاقتهم الهائلة لتصعد عبرها لتصفية خصومها السياسيين بدلا من وطن معافى ومليء بالمحبة والسلام والنهضة ، والنتيجة هو ما نراه الآن من حصاد للهشيم وخيبة الأمل.
الخلاصة: الثورات التي لا تأتي لتهب الناس – كل الناس- الحرية والحب والضياء والعدل والكرامة والحياة والقمح ليست ثورات بل مجرد (حصين طروادة) لديكتاتوريات جديدة.
#قحت_نكبة_السودان
لؤي المستشار