(1) يبدو لي أن حبل الوصل بين اللجنة الأمنية للمخلوع البشير وللنظام البائد، لم ينقطع عقب قيام ثورة ديسمبر المباركة، وكانت عبارة (تم التحفظ على رأس النظام البائد في مكان آمن) هي كلمة السر بين المكون العسكري والنظام البائد، ولكن فرحة النصر انستنا أن نربط بين هذه الجملة وبين جملة الشيخ حسن الترابي، (اذهب الى القصر رئيساً، وسأذهب إلى السجن حبيساً) فقد جاءت بذات الطريقة السابقة، مع اختلاف الشخصيات، ابن عوف أولا ثم بديله البرهان، فدخل المخلوع البشير الى كوبر حبيساً وذهب البرهان الى القصر رئيساً. (2) وهكذا مرت أعوام منذ الاطاحة بالنظام البائد، فلا ليل الديكتاتور والظلم والفساد انقضى، ولا صبح الحرية والسلام والعدالة قد أتى وتنفس، فالماضي لم يرحل، والحاضر تم التلاعب فيه، والمستقبل غائم. (3) فما خرج الشعب السوداني، الذي جبل وولد وفطم على حب العزة والكرامة، فما خرج الا ليثور على حكم الطغيان والشمولية والديكتاتورية، فهو ولد ووجد من أجل المدنية والديمقراطية، فالديكتاتورية مهما تطاولت عقودها فهي استثناء في حياة الشعب السوداني، والأصل هو إنسانيته وكرامته وعزته، ولكن خفافيش الظلام الذي استمرأت مص دم الشعب السوداني، تأبى الا العودة والظهور جهاراً نهاراً، ساخرة مستهزئة بالشارع الثوري، فلا يحدث الا في السودان، فغالبية الشعب الذي أجمع على الخلاص من الحركة الاسلاموية ومن حزب المؤتمر الوطني البائد، ان تأتي أطراف ويدعون ذات الشعب للتصالح مع من ثار ضدهم!!، ان السودان أيضاً فيه من المضحكات، لكنه ضحك كالبكاء، !! (4) وكأننا ماعزلنا وماخلعنا البشير، الا بشرط واحد أن لا نفعل شيئا دون استشارته!!، متى يدرك الانقاذيون الجدد والانقلابيين، ان الشعب قد عزم توكل على الله، وأعلن أنه لا عودة للوراء، مهما تكالبت عليه قوى الظلام، الذين لم يبق لهم من مظاهر العز والجاه والسلطان الا اجترار الذكريات والكيد الرخيص لثورة ديسمبر، تبت أيد اعداء الثورة.
صحيفة الجريدة